الأربعاء, 3 سبتمبر 2025 04:21 PM

خطة ترامب لـ"ريفييرا غزة": حوافز وإغراءات مقابل تهجير.. والقانون الدولي يحذر

خطة ترامب لـ"ريفييرا غزة": حوافز وإغراءات مقابل تهجير.. والقانون الدولي يحذر

تنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي و"DW" تعود خطة ترامب المثيرة للجدل بشأن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" إلى الواجهة مجددًا، بعد الكشف عن تفاصيل جديدة في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تضع الفلسطينيين أمام خيارات محدودة.

الصحيفة الأمريكية اطلعت على نشرة من 38 صفحة، تتضمن تفاصيل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لما بعد الحرب في غزة، والتي تهدف إلى تحويل القطاع خلال عشر سنوات إلى منطقة سياحية واقتصادية متطورة، تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

تفاصيل الخطة المقترحة

وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، تتضمن خطة ترامب فرض وصاية أمريكية على القطاع لمدة لا تقل عن عشر سنوات، بهدف تحويله إلى منتجع سياحي "لامع" ومركز للتصنيع والتكنولوجيا الفائقة، مدعومًا بالذكاء الاصطناعي. سيواجه سكان القطاع، البالغ عددهم مليوني نسمة، خيارين: إما المغادرة طوعًا إلى بلد آخر مقابل حوافز، أو الانتقال إلى مناطق آمنة داخل القطاع خلال فترة إعادة الإعمار.

الاقتراح، الذي يحمل اسم صندوق إعادة تشكيل غزة، والتسريع الاقتصادي والتحويل (GREAT Trust)، تم تطويره من قبل إسرائيليين أنفسهم الذين أنشأوا مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. من المتوقع أن يتم دعم المشروع باستثمارات خاصة تقدر بنحو 100 مليار دولار، مع توقعات بمضاعفة الأرباح أربع مرات في غضون عشر سنوات.

يشير المقترح إلى أن إسرائيل ستنقل "السلطات والمسؤوليات الإدارية في غزة إلى صندوق "غريت ترست" بموجب اتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، والذي "سيتطور" لاحقًا إلى شكل من أشكال الوصاية الرسمية. كما ستحتفظ إسرائيل "بالحقوق الشاملة لتلبية احتياجاتها الأمنية" خلال السنة الأولى من الخطة، بينما سيتولى مواطنو دول ثالثة غير محددين بعد ومتعاقدون عسكريون غربيون خاصون توفير جميع متطلبات الأمن الداخلي تقريبًا، وسيتقلص دورهم تدريجيًا على مدى عقد من الزمن مع تولي "الشرطة المحلية" المدربة المسؤولية.

الوثيقة لم تشر إلى قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وتقول إن الكيان الحاكم الفلسطيني غير المحدد "سينضم إلى اتفاقيات أبراهام". سيقدم الصندوق لملاك الأراضي في غزة رمزًا رقميًا مقابل حقوق إعادة تطوير وإعمار ممتلكاتهم، لاستخدامها في تمويل حياة جديدة خارج القطاع أو استبدالها في نهاية المطاف بشقة واحدة جديدة تبلغ مساحتها 167 مترًا مربعًا بقيمة 75 ألف دولار أمريكي، وذلك ضمن ست إلى ثماني "مدن ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي" ستبنى في غزة.

من يختار المغادرة سيحصل على مبلغ نقدي بقيمة 5 آلاف دولار أمريكي، وتغطية تكاليف إيجار منزل لمدة أربع سنوات، بالإضافة إلى تغطية تكاليف الطعام لمدة عام.

القانون الدولي: خطة ترامب "انتهاك واضح"

تنفيذ المقترح مرهون بموافقة سكان القطاع على الخروج من بيوتهم وأراضيهم، وهو ما يبدو أنه سيشكل عقبة حقيقية. أبو محمد، وهو أب يبلغ من العمر 55 عامًا، قال لواشنطن بوست عبر رسالة واتس آب من داخل غزة إنه لن يغادر أبدًا، مضيفًا: "أنا أقيم الآن في منزل مدمر جزئيًا في خان يونس، لكن يمكننا ترميمه. أرفض أن أجبر على الذهاب إلى أي بلد آخر، هذا هو وطني". وأيده وائل عزام، 60 عاماً من منطقة المواصي المجاورة لخان يونس في جنوب القطاع، وقال لوكالة فرانس برس: "هل يقبل ترامب أن يُنقل من منزله ومدينته؟ هنا ولدنا وترعرعنا" مشيراً إلى تمسكه بأرضه.

من الناحية القانونية، يرى د. أمجد السلفيتي، الأستاذ في القانون الدولي ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن، في مقابلة مع DW عربية، أنه لا يمكن تطبيق مثل هذه الخطة إلا بإجراء استفتاء لأصحاب الأرض، مضيفًا: "الخطة غير واقعية لأنها تُخلي سكان هذه المناطق، وترحيل السكان الأصليين أو نقلهم، حتى ولو لفترة زمنية مؤقتة يخل وينتهك القانون الدولي بشكل صريح".

يؤيده في ذلك عادل حق، الأستاذ والخبير في قانون النزاعات المسلحة في جامعة روتجرز، الذي صرّح لصحيفة واشنطن بوست أن أي خطة يمنع فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، أو لا يتم تزويدهم بالغذاء والرعاية الطبية والمأوى بشكل كاف، ستكون غير قانونية، بغض النظر عن أي حافز نقدي يتم تقديمه للمغادرين.

وأكد السلفيتي أن هذا يشكل أيضاً انتهاكاً لحق العودة المكفول للفلسطينيين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقال لـ DW عربية إن غزة فيها لاجئون فلسطينيون من مدن أخرى مثل بئر السبع والنقب الذين نزحوا منها إلى غزة عام 1948، وهذه الخطة تحرمهم من حق العودة الأساسي إلى مدنهم، مما يخلق موجة جديدة من اللجوء. وأضاف أن التهجير القسري لسكان غزة ينتهك بنود اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري للسكان من أرضهم.

ردود الفعل الدولية

أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالمقترح الأمريكي، ولكنه قوبل بانتقادات شديدة من دول عربية وأوروبية بحسب وكالة فرانس برس. ففي وقت سابق من هذا العام أكدت دول عربية رفضها خطة ترامب، وقدمت مصر خطة بديلة تضمن تشكيل حكومة تكنوقراط في غزة بتمويل من دول الخليج. كما أعربت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن التزامها بخطة مصر لإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، لكن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كانتا قد رفضتا الاقتراح العربي.

من جانبها رفضت ألمانيا أي فكرة لتهجير الفلسطينيين بحسب صحيفة هاندلسبلات الألمانية، إذ حذر وزير الخارجية، يوهان فادفول، إسرائيل صراحة من الاستيلاء على قطاع غزة أو الضفة الغربية، وقال فادفول: "ترفض ألمانيا أي اعتبارات من شأنها طرد أو تهجير السكان الفلسطينيين"، وأضاف: "يجب أن تكون غزة جزءًا من دولة فلسطينية مستقبلية في إطار حل الدولتين".

من جانبها أعربت حركة حماس (المصنفة منظمة إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى) عن رفضها لمقترح ترامب، وصرح باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحماس لوكالة فرانس برس موجّها كلامه للإدارة الأمريكية، تعليقاً على الخطة التي تمّ تداولها في وسائل الإعلام: "انقعوها واشربوا ماءها، كما يقول المثل الفلسطيني بالعامية"، مضيفا "غزة ليست للبيع"، مؤكداً "رفض حماس ورفض شعبنا" للخطة، حسب تعبيره.

ويرى د. أمجد السلفيتي أنه إذا باشرت إدارة ترامب بتنفيذ هذه الخطة، سيُحدث ذلك زلزالاً لا يقتصر أثره على الأراضي الفلسطينية فقط، بل سيضع منظومة القانون الدولي بأسرها على المحك وتحت المجهر، وسيكون ذلك أول مسمار يُدق في نعش القانون الدولي.

مشاركة المقال: