تتميز تجربة الفنان خلدون بو حمدان بالذهاب إلى تجريب الكثير من الرؤى الإبداعية، بعيداً عن أي اعتبارات نقدية، وتناول ما يراه مناسباً لذائقته الفنية ورؤيته الإنسانية والاجتماعية العميقة بجمال وجرأة، مستنداً إلى الموهبة والفطرة. يقدم بو حمدان لوحات تجذب الذائقة بألوانها الزاهية وأفكارها المتألقة.
كان لقائي المباشر مع إبداعات بو حمدان في العام 2020 حين أقام معرضه الفردي الموسوم بـ (إيقاعات) في المركز الثقافي بـ (أبو رمانة). ضم المعرض اثنتين وأربعين لوحة بقياسات متوسطة وكبيرة، شكلت عوالم إبداعية غاية في الجمال، تجلت في عمق الفكرة وجمال اللون، مستوحاة من مدارس ومذاهب فنية متعددة من الواقعية إلى التعبيرية والرمزية. ومنذ ذلك المعرض، تستمر تجربة خلدون بو حمدان في التطور، كما برز في معرضه الجماعي الذي أقيم منذ عدة أشهر في ثقافي أبو رمانة (2025).
لا يمكن حصر تجربة خلدون في مدرسة فنية واحدة بسهولة، ويتضح ذلك في رسمه للوجوه. بورتريهات تكاد تتحدث، وجوه من مختلف الشرائح الاجتماعية هي بطلة لوحاته، فوجه عامل متعب يجسد قسوة الحياة وكبرياء الكفاح، وعيون امرأة ريفية تحمل حكمة الأجيال وأسرارها، وذلك عبر مزيج من التعبيرية والواقعية والرمزية. ومن خلال التعبيرية وقوة الخطوط والعواطف المشحونة، يضيف لمسة من الواقعية تجعل المشهد جميلاً ومألوفاً.
في وجوه وشخصيات لوحاته، يقيم حواراً بين الماضي والحاضر، فشخصياته تبدو وكأنها أتت من عمق الواقع بكل تعدداته، محملة بأسرار وذكريات، تواجه عالماً حديثاً غريباً عنها، ما يخلق حالة من الحنين الحزين لزمن كانت ظلاله أشد حميمية. شخصياته هي العلامة الفارقة، وجوه معبرة للغاية، عميقة، محفورة بتجارب الحياة. عيونها واسعة وناظرة، تبدو وكأنها تنظر إلى داخل المشاهد أكثر من نظرتها إلى الخارج، هذه الوجوه التي ترنو إلى المستقبل بما يشبه نافذة للأمل، بعيداً عن المعاناة والنظرات التي تختزل الكثير من الحزن والأسى.
تكشف ريشته القصص والحكايات الخفية، حيث الواقعية تتحدث بلغة الوجدان وعمق الإحساس. في عالم يموج بالضوضاء والصور العابرة، تبرز لوحات الفنان خلدون بو حمدان كواحة للتأمل والصدق، إنه فنان لا يلتقط بفرشاته ملامح الوجوه والأماكن فحسب، بل ينفذ إلى أعماقها، ليرسم حكايات الإنسان، بكل آماله وآلامه، أفراحه، حيرته، وجماله الخالد. إنه رحّالة بين مدرستي الواقعية والتعبيرية، يجمع بين دقّة الأولي وروح الثانية، ليقدم فنّاً إنسانياً هادفاً يخاطب القلب قبل العين.
عندما تتحول الواقعية إلى تعبيرية في الروح مقابل الشكل، فإن لوحات الفنان خلدون لا تتوقف عند حدود الشكل الخارجي الدقيق. هنا تأتي التعبيرية لتمنح العمل روحه، يستخدم الفنان اللون ليس كما هو في الواقع، بل كما هو في الشعور، فعلى سبيل المثال هو يوظف اللون الأحمر بكل تدرجاته ليجسد حالة قاسية أو حكاية حزينة أو حالة حب، أو يلطّف الأضواء ليمنح الأمل.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية