دمج المؤسسات الاقتصادية والخدمية يُطرح كـ "حل" لمشكلات تعترض الاقتصاد السوري على المستويين المحلي والخارجي. لكن، هل يحمل هذا الحل النتائج المرجوة؟ عوامل مثل طبيعة النظام الاقتصادي وهوية المؤسسات المدمجة والبيئة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة تلعب دوراً حاسماً، بالإضافة إلى الظروف المتغيرة التي تفرضها عملية الدمج نفسها.
تيزيني: عمل الوزارات كان تنافسياً لا تكاملياً يحكمه مزاجية الوزير وبعض مصالح الوزارة
تجارب الدمج السابقة، خاصة في الحكومات السابقة، شهدت فشلاً واسعاً، مع ضياع الخبرات والكفاءات ورؤوس الأموال وقيم عقارية تقدر بمئات المليارات من الليرات. لم تسجل أي عملية دمج نجاحاً يمكن الاعتماد عليه لوضع أسس لاستثمار الدمج وفق القواعد الاقتصادية والخدمية المطلوبة.
تيزيني: دمج الوزارات أغلق باب الفساد والرشوة بين الفعاليات والموظفين في مفاصل العمل الرئيسية
معظم عمليات دمج الوزارات والمؤسسات السابقة انتهت بالفشل، وأي نتائج إيجابية كانت مرتبطة بالظروف المحيطة لا بآلية التنفيذ. اليوم، تعتمد الحكومة دمج المؤسسات الاقتصادية والخدمية، وحتى الوزارات مثل "الصناعة – والاقتصاد – والتجارة الداخلية"، ضمن هيكلية جديدة للحفاظ على منهجية ثابتة وقوية للاقتصاد وتطويره، في ظل ظروف صعبة وحصار اقتصادي وعقوبات.
تنافسي لا تكاملي..!
الصناعي عصام تيزيني يرى أن دمج وزارات "الصناعة – وحماية المستهلك ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية" فكرة ضرورية، خاصة أن الاقتصاد السوري يعاني من سوء الإدارة وعدم انسجام الوزراء. العمل كان "تنافسياً لا تكاملياً"، حيث كانت الوزارات تصدر قرارات متعارضة، ما يبطل فاعليتها ويؤدي إلى التخبط.
يرى تيزيني أن عملية الدمج الحالية تصحح مسار العمل والإدارة وتوحد الجهود. الدمج تحت إدارة وزير واحد يجب أن يتضمن متخصصين بمرتبة وزير في كل وزارة، يديرون وينسقون بما يتناسب مع مصالح "التاجر والصناعي والمستهلك". مهمة الوزارة هي تسهيل وتنظيم العمل الصناعي والتجاري والإشراف عليهما لتحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
كما يرى تيزيني أن الدمج يغلق الباب على الفساد ويضيق على الفاسدين، فكلما تقلصت الجهات التي يتعامل معها الصناعي أو التاجر، كلما تراجعت فرص الفساد والخطأ.
نحلاوي: خطوة تحمل إيجابية كبيرة باتجاه توحيد قنوات العمل وتبسيط الإجراءات القانونية والإجرائية والتي تكفل سرعة الأداء والتنفيذ
توحيد لآليات العمل
نائب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها لؤي نحلاوي يرى في الدمج خطوة لتجميع آلية عمل متشابهة في الوزارات ووضعها في آلية واحدة. يرى أنها خطوة إيجابية لتوحيد قنوات العمل وتبسيط الإجراءات، ما يكفل سرعة الأداء والتنفيذ. بعد أن كنا نسعى لإقناع ثلاث وزارات بموضوع، أصبح هناك جهة واحدة ترعى مصالح الجميع.
النحاس: دمج الصناعة والاقتصاد ليس واقعياً ويحتاج إعادة نظر لاختلاف طبيعة العمل ومحاولة كل طرف “شد اللحاف” باتجاهه ..!
تهيئة الأسباب
رجل الأعمال مصان النحاس يرى أن دمج الوزارات حالة جيدة إلى حد ما، ضمن رؤية موحدة وآلية تنفيذ واحدة. يذكر تجربة سابقة لدمج وزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية وفصلهما لعدم الترجمة الجيدة على أرض الواقع. يرى أن دمج وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع وزارة الصناعة غير صائب، لأن آلية العمل الصناعي تختلف عن العمل في وزارة الاقتصاد. الصناعة تحرص على إنتاجية مدعومة، بينما الاقتصاد يسعى لتوفير بيئة استيراد وتصدير نشطة، حتى لو على حساب المنتج المحلي. غرف الصناعة على خلاف مع غرف التجارة، حيث تشجع الصناعة المنتج المحلي وترفض المستوردات، والعكس صحيح بالنسبة للتجارة.
يؤكد النحاس على ضرورة الفصل بين الوزارتين وضبط آلية العمل بينهما. يأمل أن تحقق تجربة اليوم النجاح المطلوب، خاصة في ظل وزير اقتصادي له خبرة في هذا المجال. الموروث ثقيل من الحكومات السابقة، ويحتاج لحلول ترضي المجتمع.
د. علي: الدمج فرصة أمام الحكومة لتحقيق الانتقال من منظومات اقتصادية غير فعالة الى منظومات قادرة على تحقيق الاستقرار المطلوب..
مقومات النجاح متوافرة
الخبير الاقتصادي الدكتور عمار علي يؤكد وجود تجارب أخرى في مجال الدمج، بعضها فشل والبعض الآخر مازال قائماً. يرى أنه في حال توافر الصلاحيات والتعاون والتنسيق، قد يكون الدمج الخيار الأفضل، خاصة أن الصناعة مكون أساسي لاقتصاد قوي ومستقر. يرى أن الدولة تتجه نحو هياكل حكومية رشيقة، وتنسحب من الدور التشغيلي إلى دور إشرافي.
عمل تدريجي
يوضح علي أن الانتقال من اقتصاد اجتماعي منغلق إلى اقتصاد أكثر انفتاحاً يتطلب عملاً تدريجياً، بما يضمن الحفاظ على النشاطات الصناعية واليد العاملة. يمكن أن تكون عملية الدمج فرصة لتحقيق الانتقال من منظومات اقتصادية غير فعالة إلى منظومات فعالة قادرة على تحقيق تنمية اقتصادية مستقرة.