في مشهد يعكس حجم الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها دمشق، كشفت حملة واسعة نفذتها محافظة دمشق بدعم من قوى الأمن، عن شبكة معقدة من تجارة الممتلكات المنهوبة التي تغزو الأسواق العشوائية، وسط صراع يومي بين البقاء والاستغلال.
حملة رسمية تكشف المستور
تحت شعار إزالة التعديات المرورية والعشوائيات، استهدفت الحملة أسواقاً مكتظة مثل البرامكة والصالحية وشارع بغداد. إلا أن عمليات الإزالة كشفت سوقاً موازياً ضخماً للسلع المستعملة والمقتنيات المنهوبة: من أجهزة كهربائية إلى أثاث فاخر وقطع غيار سيارات وحتى أنظمة طاقة شمسية. وتُظهر شهادات ميدانية أن بعض الباعة يديرون بضائعهم عبر سيارات مركونة وأجهزة محمولة، مع دعم غير مباشر من جهات نافذة، بحسب ما نقلته شهادات باعة لـ"العربي الجديد".
ممتلكات مهجّرين تتحول إلى تجارة
في البرامكة تحديداً، تبين أن جزءاً كبيراً من السلع المعروضة يعود إلى منازل مهجورة، كثير منها تعود لمسؤولين سابقين أو عناصر مرتبطة بالنظام. وتحدث شهود عن استغلال هؤلاء الأوضاع لبيع هذه الممتلكات بأسعار زهيدة دون أي مساءلة. يقول "أبو علي"، أحد الباعة، إن السوق يشهد "حركة بيع منظمة لبضائع منهوبة، تحت أنظار الجميع"، مشيراً إلى أن بعض الباعة يحظون بحماية أمنية غير معلنة تتيح لهم العمل بحرية.
شبكة نهب متكاملة
وبحسب سائقي نقل الأثاث الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن البضائع تأتي من مناطق مثل السيدة زينب والحجيرة والديماس، حيث تُنقل غرف النوم والمقتنيات المنزلية مباشرة إلى أسواق دمشق، وسط علم واضح بأصولها غير الشرعية. وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 50 ألف منزل في ريف دمشق الجنوبي تعرض للنهب، مما غذّى هذه التجارة غير المشروعة وجعل أسواقاً مثل السيدة زينب والحجيرة مراكز رئيسية لها.
تنظيم حكومي ومقاومة شعبية
في محاولة للحد من الفوضى، خصصت محافظة دمشق مواقع للبسطات في أحياء محددة، مع إعطاء أولوية لأسر الشهداء وذوي الإعاقة. لكن الباعة واجهوا هذه الخطوة بالرفض، معتبرين أن المواقع الجديدة تفتقر للحركة التجارية، مما يزيد من معاناتهم. وقال موظف في المحافظة إن الخطة "تراعي الأوضاع المعيشية"، بينما عبّر بعض الباعة عن خشيتهم من ارتفاع التكاليف وضعف الإقبال في المواقع البديلة.
تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة
ساهمت هذه الظاهرة في ضرب الأسواق النظامية وزيادة البطالة بين أصحاب المهن التقليدية، كما ولدت حالة من التناقض الأخلاقي، حيث بات المواطنون يشترون ما يعرفون أنه مسروق، مدفوعين بالفقر وغياب البدائل. يقول سامر الأشقر، أحد الباعة: "اليوم أصبح الضحية هو نفسه من يشارك في منظومة النهب والبيع"، في إشارة إلى تحولات قاسية فرضتها الحرب والانهيار الاقتصادي.
استمرارية عقلية النهب
اللافت أن تجارة الممتلكات المنهوبة ليست مجرد ظاهرة وقتية، بل ترتبط بتحالفات بين عناصر من النظام السابق والسلطة الحالية، ما يعزز الشعور بانعدام العدالة ودوام الفساد. ويرى عاهد العامر، وهو مهجر عاد مؤخراً إلى دمشق، أن "النهب لم يتوقف بل تغيرت الوجوه"، مؤكداً أن البنية الاقتصادية الجديدة في سوريا ما زالت تقوم على الاستغلال والنهب الممنهج.
أزمة مركبة تبحث عن حلول جذرية
تجاوزت أزمة الأسواق العشوائية حدود الاقتصاد، مخلفة آثاراً بيئية واجتماعية سلبية، وسط تصاعد العنف اليومي وتآكل الثقة بين الباعة والمستهلكين. ويرى مراقبون أن مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى ما هو أبعد من الحلول الأمنية، عبر دعم القطاعات الإنتاجية وتوفير بدائل معيشية حقيقية للسكان.
خلاصة:
في ظل تفاقم الأوضاع، تبدو تجارة الممتلكات المسروقة في دمشق مرآة لانهيار أوسع تعانيه البلاد، حيث يتداخل الفقر مع الفساد، ويصير البقاء مسألة مساومة يومية على حساب القانون والأخلاق.