السبت, 18 أكتوبر 2025 08:20 PM

رؤية 2030: الثروات المعدنية تقود السعودية نحو صدارة الابتكار في الاستكشاف

رؤية 2030: الثروات المعدنية تقود السعودية نحو صدارة الابتكار في الاستكشاف

يشهد قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً، مما جعلها من الدول الرائدة عالمياً في مجال الاستكشاف المعدني. وقد ارتفع الإنفاق على الاستكشاف بنسبة 600% خلال سبع سنوات، ليصل إلى 487 ريالاً لكل كيلومتر مربع، متجاوزاً بذلك مستهدفات رؤية 2030. صرح بذلك عبدالله الشمراني، الرئيس التنفيذي لهيئة المساحة الجيولوجية، خلال افتتاح النسخة الأولى من مؤتمر ومعرض "GEOMIN2025" في جدة، بحضور وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف.

يعود هذا الارتفاع إلى تسريع أعمال المسح الجيولوجي والاستكشاف في منطقة "الدرع العربي"، بدعم من التمويل الحكومي ومساهمات القطاع الخاص. ففي عام 2018، لم يتجاوز الإنفاق 80 ريالاً لكل كيلومتر مربع، وكان الهدف الوصول إلى 200 ريال. كما أطلقت المملكة حزم بيانات ربع سنوية لتوفير معلومات محدثة للمستثمرين، مما يعزز الشفافية ويقلل من حواجز الدخول إلى القطاع.

أكد الشمراني أن قيمة الثروات المعدنية المكتشفة حتى عام 2024 بلغت حوالي 2.5 تريليوني دولار، أي ضعف ما كان مقدراً في عام 2017. كما حققت المملكة تقدماً كبيراً في ترتيب جودة البيانات الجيولوجية عالمياً، حيث ارتفعت من المرتبة 108 في عام 2017 إلى المرتبة 23 حالياً، بفضل توحيد الأنظمة وتحسين بيئة الاستثمار وتوفير البيانات للمستثمرين. وشملت جهود المسح جمع أكثر من 88 ألف عينة ميدانية من وديان "الدرع العربي"، بالإضافة إلى مسح جوي غطى 93% من المنطقة.

يمثل "الدرع العربي" أحد أهم التكوينات الجيولوجية في العالم، حيث يمتد على مساحة 630 ألف كيلومتر مربع، أي ثلث مساحة المملكة، ويتميز بغناه بالذهب والنحاس والزنك والحديد. هذا الموقع الاستراتيجي، الممتد من الأردن شمالاً إلى اليمن جنوباً، يعزز مكانة المملكة في مستقبل التعدين عالمياً.

خلال منتدى "جيومين" الدولي، الذي جمع خبراء من أكثر من 30 دولة، شدد الشمراني على أن التوجه العالمي نحو إزالة الكربون وزيادة الطلب على المعادن يتطلب الابتكار وتجاوز الأساليب التقليدية لتسريع اكتشاف الموارد الحيوية. وأوضح أن الاستثمار غير المسبوق في الاستكشاف، إلى جانب التحول الرقمي من خلال قواعد البيانات المتكاملة ومنصة NGD للبيانات المفتوحة، مكّن من تنفيذ مشاريع متقدمة مثل المسح الجيوكيميائي السطحي والمسح الجيوفيزيائي المغناطيسي بمقياس تفصيلي يغطي كامل "الدرع العربي"، مما يمنح المستثمرين وضوحاً وثقة أكبر.

أشار الشمراني إلى أن استكشاف المعادن رحلة طويلة تتطلب صبراً ورؤية استراتيجية، لافتاً إلى أن السعودية كانت تُعتبر سابقاً خالية من بعض المعادن الحديثة مثل الليثيوم، لكن المؤشرات الحالية أثبتت وجود مؤشرات إيجابية جداً، وتُجرى حالياً دراسات معمقة لمعرفة ما تحتويه المملكة من معادن نادرة، بما يعزز حضورها عالمياً ويوفر هذه الموارد للمستخدمين بشكل مناسب.

وأضاف أن التعدين يُعد من الركائز الأساسية في رؤية السعودية 2030، إذ تسرع المملكة جهود تطوير البنية التحتية الجيولوجية وتحفيز الاستكشاف عبر استثمارات ضخمة ومبادرات استراتيجية. وأوضح أن التحول التكنولوجي أعاد تعريف مفهوم الاستكشاف الجيولوجي، بخاصة مع تزايد الطلب العالمي على المعادن، مضيفاً أن أزمة كورونا شكلت نقطة تحول أساسية عززت اعتماد الحكومات والشركات وهيئات المسح الجيولوجي على أحدث الأدوات والمنهجيات في الاستكشاف.

وفي سياق اقتصادي أوسع، أكد وزير التجارة ماجد القصبي أن المملكة تستهدف أن تصبح مركزاً إقليمياً لإعادة هيكلة الديون وجذب الاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى تنفيذ نحو 900 إصلاح اقتصادي وتشريعي خلال فترة قصيرة. كما تقدمت المملكة 20 مرتبة في الكتاب السنوي للتنافسية منذ 2016 لتصل إلى المرتبة 16 عالمياً في 2024، مما يعكس أثر الإصلاحات على الاقتصاد الوطني.

كما تعمل المملكة على تحديث نظام الضريبة الانتقائية على المشروبات المحلاة، بحيث يصبح احتسابها بناءً على محتوى السكر لكل 100 مل بدلاً من نسبة ثابتة، مع تقسيم المشروبات إلى شرائح خالية ومنخفضة ومتوسطة ومرتفعة السكر وفرض ضريبة تصاعدية، لتعزيز الصحة العامة وضمان وضوح النظام الضريبي.

تعكس هذه التطورات رؤية استراتيجية متكاملة لا تقتصر على استغلال الثروات الطبيعية فقط، بل تمتد إلى بناء بنية تحتية معلوماتية متقدمة، وتحسين بيئة الاستثمار، وتحديث الأنظمة الاقتصادية والضريبية، مما يجعل المملكة لاعباً محورياً في مستقبل الصناعة والتعدين عالمياً.

بقلم: أسيل العرنكي

مشاركة المقال: