الإثنين, 29 سبتمبر 2025 06:07 PM

رؤية سوريا 2050: من مواجهة الطوارئ إلى تحقيق الاستدامة بمشاركة مجتمعية

رؤية سوريا 2050: من مواجهة الطوارئ إلى تحقيق الاستدامة بمشاركة مجتمعية

تثير الرؤية المستقبلية لسوريا حتى عام 2050 نقاشاً واسعاً حول آليات التخطيط الاستراتيجي ومتطلبات التنمية المتوازنة في مرحلة ما بعد الحرب. لم تعد الحاجة مقتصرة على معالجة الظروف الطارئة، بل تتجاوز ذلك إلى بناء آليات تضمن الاستدامة والعدالة بمشاركة جميع الأطراف المعنية في صياغة خطة وطنية شاملة.

يرى الدكتور حسام الوعر، المتخصص في علوم الاستدامة وقياسها، أن بناء رؤية طموحة لسوريا يتطلب استراتيجية متعددة المستويات: قصيرة المدى للاستجابة للطوارئ، ومتوسطة المدى للتعافي، وبعيدة المدى للاستدامة. ويؤكد على ضرورة بناء هذه الرؤية بأسلوب تشاركي يضم الدولة، والمنظمات الأهلية، والقطاع الخاص.

يشير الدكتور الوعر إلى أن صياغة رؤية لسوريا 2050 لا تقتصر على تحديد الأهداف الكبرى، بل تتعداها إلى إشراك جميع الفاعلين في صياغتها وتنفيذها. فالمستقبل يتطلب عدالة في توزيع التنمية، وتكاملاً بين المدن والأرياف، وتحديثاً للتشريعات بما يضمن الاستقرار والازدهار للأجيال القادمة.

كما أشار الدكتور الوعر، الأستاذ بجامعة داندي بالمملكة المتحدة، إلى أن معظم الخطط التنموية في سوريا منذ ستينيات القرن الماضي كانت قصيرة الأمد، وجاءت استجابةً لأحداث طارئة، وغالباً ما كانت حلولها فعالة لبضعة أشهر فقط قبل أن تظهر تحديات جديدة، ما أدى إلى تكرار المعضلات دون حلول مستدامة.

سلطت القمة الأكاديمية السورية للابتكار والتعليم والبحث والإصلاح (سفير 2025)، التي عُقدت فعالياتها في دمشق تحت عنوان "وضع المشهد للرؤية والتخطيط بالسيناريوهات والتخطيط الإقليمي.. سوريا ما بعد الحرب، الفرص والتحديات"، الضوء على موضوع التنمية المستدامة الذي تأمل سوريا أن تحققه حتى عام 2050، من خلال محاضرة الدكتور الوعر التي ألقاها في المكتبة الوطنية بدمشق.

أوضح الدكتور الوعر أن التنمية المستدامة لم تعد تقتصر على الحفاظ على الموارد، بل تتطلب القدرة على تطوير خطط تواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن تنمية بمعزل عن الأجيال القادمة، وأن المطلوب هو التفكير في العقود المقبلة لا معالجة المشاكل الآنية فقط.

حذر الدكتور الوعر من أن النمو غير المنظم في المدن، وخاصة في الأحياء العشوائية، يشكل خطراً على الاستقرار العمراني والاجتماعي. واعتبر أن البنية التحتية في مناطق سوريا مهددة ما لم توضع خطط إستراتيجية بعيدة المدى قادرة على استيعاب التحولات خلال ربع القرن المقبل. وأكد على أن معالجة النمو غير المنظم لا تقتصر على البعد العمراني فقط، بل تتداخل معه أبعاد اقتصادية واجتماعية وحقوقية، وأن أي مشروع مستقبلي يجب أن تخصص له مساحات خضراء لا تقل عن نسبة 20 بالمئة.

شدد الدكتور الوعر على أن تحقيق العدالة في التنمية بين المدن والأرياف شرط أساسي للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مقترحاً اعتماد تنظيم الأقاليم كخيار إداري متوازن لا على أساس حدود أو انفصال، بل كآلية رشيدة للحوكمة والتنمية المتكاملة، ما ينعكس إيجاباً على حياة السكان في جميع المحافظات.

أشار الدكتور الوعر إلى أن الرؤية القادمة لسوريا لا بد أن تنطلق من حقيقة أساسية وهي التنوع الكبير الذي يميز مجتمعها، وثرواتها الطبيعية، معتبراً أن هذا التنوع والثروات يمكن أن يكونا مصدر قوة هائل إذا استُثمرا بشكل عقلاني ومنظم ضمن رؤية وطنية واضحة.

أكد الدكتور الوعر على أن الرؤى الناجحة ليست ثابتة، بل عملية ديناميكية تتطور مع الزمن، وتعتمد على الاستشراف ورسم عدة سيناريوهات محتملة للمستقبل، مع مرونة لتغيير المسار وفق الأزمات أو الفرص، وإمكانية تحديث التشريع والقوانين ورفع العوائق منها.

شدد الدكتور الوعر على ضرورة اعتماد مفهوم العدالة الشاملة، ليس فقط الانتقالية، بل أيضاً المكانية، بما يضمن توزيعاً متوازناً للموارد والخدمات بين المدن والريف، مؤكداً أن العدالة في التخطيط الإقليمي لا تقل أهمية عن أي إصلاح سياسي أو اجتماعي.

اختتم الدكتور الوعر حديثه بالتأكيد على أن الرؤية الطموحة لسوريا 2050 تتطلب الشجاعة في التخيل، والمرونة في التعديل، والعدالة في التطبيق، حتى تكون خارطة طريق وطنية تُبنى عليها خطط الاستقرار والتعافي والاستدامة للأجيال المقبلة.

يذكر أن شخصيات أكاديمية وطلاباً وصناع قرار وباحثين من داخل سوريا وخارجها شاركوا وتفاعلوا مع موضوع الرؤية المستقبلية لسوريا الذي تحدث عنه الدكتور الوعر.

أخبار سوريا الوطن١-سانا

مشاركة المقال: