رحل الكاتب والسياسي السوري، معبد الحسون، في منفاه بباريس في الأول من آب الحالي، بعد حياة قضاها متنقلاً بين مدينته الرقة وسجون النظام السوري، ومنفاه الذي امتد من تركيا إلى فرنسا، حيث واصل معارضته لحكم عائلة الأسد.
دفع الحسون ثمن مواقفه السياسية 12 عاماً من الاعتقال، بدأت في سجن "تدمر" سيئ السمعة، ثم "صيدنايا" الذي يوصف بـ"المسلخ البشري"، فالمزة. وقد وثّق هذه التجربة المريرة في مؤلفات عبرت عن موقفه الثوري.
معبد الحسون.. الثائر
وُلد معبد الحسون عام 1957 في مدينة الرقة، وحصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة "حلب". عُرف بمواقفه الثورية ضد حكم الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، مما أدى إلى اعتقاله لمدة 12 عاماً في سجون النظام، بين "تدمر" و"صيدنايا" و"المزة"، وذلك من عام 1978 حتى عام 1991.
مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، انخرط الحسون في صفوفها، ونظم المظاهرات في الرقة، وشارك في مبادرات الدعم المدني والإغاثي، وتولى رئاسة تحرير موقع "الرقة بوست". في عام 2014، غادر إلى تركيا، ثم لجأ إلى فرنسا عام 2016، وواصل من هناك الكتابة عن تجربة السجن والمنفى، وعن الثورة والخذلان، وعن وطنه الذي لم يغادر قلبه.
توثيق السجن والثورة
لم يقتصر نضال معبد الحسون على الساحات العامة، بل امتد إلى الكتابة، حيث وثّق سيرة الثورة والاعتقال في أعمال مزجت بين السرد والتوثيق. ألّف ثلاث روايات هي: "قبل حلول الظلام"، و"حين نُفخ في الصور"، و"الحرب"، إضافة إلى "الشفق الأحمر"، إلى جانب مؤلفات بحثية وتوثيقية منها: "الرقة والثورة"، و"شهادة شخصية"، كما نشر عشرات المقالات والدراسات.
في روايته "قبل حلول الظلام"، استعاد الحسون تجربة سجن "تدمر"، واصفاً إياه بـ"حين يصبح الدم ماء". لم تكن الرواية مجرد سرد لتجربة شخصية، بل شهادة توثق رعب الزنازين تحت حكم الأسد الأب، وما حملته من تعذيب وتحطيم للذات. تجاوز العمل الطابع التوثيقي، ليشكّل نصاً إنسانياً يكشف الاستبداد بلغة أدبية محافظة على نبرتها الإبداعية.
أما روايته "الحرب"، الصادرة في 2021، فقد سلطت الضوء على الحرب السورية عبر شخصيات متخيلة تمثل أطراف النزاع، وتناولت صراع الرؤى والمصالح بلغة تنفذ إلى عمق الواقع دون إسقاط مباشر. وفي "الرقة والثورة"، عاد الحسون إلى مدينته شاهدًا وموثقًا، ليحكي تحوّلها من مهد للثورة إلى ساحة صراع بين النظام وتنظيم "الدولة"، واضعًا تجربته الشخصية ضمن سياق جماعي، فكان الكتاب شهادة فردية وعامة معًا.
في كل كتاباته، حمل ذاكرته ومواقفه لسنوات، فجاءت مؤلفاته رسائل سياسية، وذاكرة وطن يرفض الحسون طمسها، وأصوات معتقلين ومنفيين لم يجدوا سوى قلمه ليحكي عنهم.
رحيل في المنفى
في 1 آب 2025، توفي الكاتب والسياسي السوري في منفاه بفرنسا. نعت رابطة الكتّاب السوريين الحسون ببيان وصفته فيه بأنه "خسارة كبيرة للثقافة العربية"، فيما عبّر كثير من المثقفين والناشطين عن حزنهم لرحيل رجل "رفض الذلّ، واختار المنفى على حساب الكرامة"، وشبّهوه بأبي ذر الغفاري، "الثائر على السلطان الجائر". طالبت الرابطة وزارة الثقافة بالعمل على إعادة جثمانه ليدفن في تراب الوطن الذي ناضل لأجله.