الأحد, 18 مايو 2025 12:53 AM

ريف حمص: ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية يفاقم معاناة الأهالي وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية

ريف حمص: ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية يفاقم معاناة الأهالي وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السوريون، باتت تكاليف العناية الصحية تشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين في ريف حمص الشمالي. فقد ارتفعت أسعار المعاينات الطبية إلى مستويات تعتبر مرتفعة نسبيًا مقارنة بالدخل الشهري المتواضع لغالبية السكان، مما أثار جدلًا واسعًا بين الأهالي والمسؤولين والممارسين الطبيين حول عدالة هذه الأسعار وتوفر الخدمات الطبية المناسبة في مناطق الريف.

الطبابة مرتفعة والخدمات شبه المجانية غير كافية

أكد إبراهيم ياسين، أحد سكان ريف حمص، أن "الطبابة بشكل عام مرتفعة"، مشيرًا إلى أن الجمعيات مثل جمعية البر وهلال الأحمر لا ترقى إلى مستوى المشافي الخاصة أو العيادات الطبية من حيث الخدمات والبنية التحتية. وأوضح أن أسعار المعاينات تختلف حسب نوع المؤسسة:

  • جمعية البر: 10 آلاف ليرة سورية
  • عيادة طبيب خاص: نحو 25 ألف ليرة
  • مشفى خاص: قد تصل إلى 40 ألف ليرة

وأشار إلى أن هذه الأسعار ترتفع بشكل مضاعف عند دخول مدينة حمص، مؤكدًا أن الأدوية أيضًا تشكل عبئًا كبيرًا على المواطنين، إذ إن أقل وصفة طبية تتجاوز قيمتها 80 ألف ليرة، وقد تتطلب إعادة صرفها عدة مرات. وعلى الرغم من ذلك، ذكر ياسين أن هناك بعض العيادات التابعة للهلال الأحمر السوري توفر خدمات شبه مجانية، لكنها تعاني من الاكتظاظ، كما أن توزيع الأدوية ليس منتظمًا، ويقتصر أحيانًا على أصحاب الأمراض المزمنة فقط. وأوضح أن بعض عيادات التوليد قد تم تدميرها خلال السنوات الماضية، ويجري الآن إعادة ترميمها، فيما لا تتوفر عمليات جراحية في الريف، مما يضطر المرضى للذهاب إلى مشافي المدينة مثل الوطني أو الجامعي وغيرها.

الوضع الاقتصادي هو المشكلة

من جانبه، نفى مدير مشفى تلبيسة الحكومي، عبد الجواد اللطوف، أن تكون أسعار المعاينات الطبية مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في المدينة أو بما تستحقه الخدمة من تعب وجهد. وقال اللطوف: "أقل معاينة في العيادات الخاصة بمدينة حمص تبدأ من 50 ألف ليرة، بينما تتراوح في الريف بين 25 إلى 35 ألف ليرة". وأضاف أن العمليات الجراحية أيضًا أرخص نسبيًا في الريف مقارنة بالمدينة، لكنه أرجع الشعور بالارتفاع إلى "سوء الحالة الاقتصادية للمواطنين". وانتقد اللطوف ضعف الدعم الحكومي والجهات الإنسانية والخيرية في الريف، مشيرًا إلى أن تركيز الجهات المعنية على المدن وإهمال الريف خلق حالة من الظلم للجميع: الأطباء، المشافي، والمواطنين.

المعاينة رمزية ولكن القطاع منهك

بدوره، رأى الطبيب العام كفاح بكور أن الحديث عن ارتفاع أسعار المعاينات الطبية يحتاج إلى نظرة واقعية، وقال: "هل 1.5 إلى 3 دولارات يمكن اعتبارها سعرًا مرتفعًا؟!"، مشيرًا إلى أن هذه الأسعار لا تتناسب مع سنوات الدراسة والخبرة التي يمتلكها الطبيب. وأكد بكور أن الحل الحقيقي ليس في خفض أسعار المعاينات، بل في "تحسين دخل الناس وإيجاد فرص عمل بأجور تناسب الوضع المعيشي"، مضيفًا أن القطاع الطبي نفسه منهك ويحتاج إلى دعم للبقاء قائماً. ووصف بكور وضع المستوصفات الحكومية بأنها معدومة تقريبًا، باستثناء مستوصف الهلال الأحمر الذي يشهد إقبالاً كثيفًا من المرضى، حتى أن "الناس يتكدسون فوق بعض ليحصلوا على دقيقة ونصف فقط أمام الطبيب". وأكد أن العلاقة بين الطبيب والمريض لم تعد عادلة: "الطبيب لا يتقاضى دخلاً يتناسب مع مؤهله، والمريض لا يستطيع تحمل التكلفة، فالوضع غير منصف لأحد".

غياب الدعم الحكومي وتفاقم الفقر يخلقان أزمة حقيقية

تُظهر آراء الأهالي والأطباء أن المشكلة الأساسية ليست في أسعار المعاينات فحسب، بل في غياب الدعم الكافي من الدولة ومن المنظمات الإنسانية، وتدهور القدرة الشرائية لدى المواطنين، وانحسار الخدمات الطبية في مناطق الريف. وتشير الوقائع إلى أن حل الأزمة يتطلب أكثر من مجرد خفض أسعار المعاينات، بل يتطلب توفير فرص عمل، دعم المؤسسات الصحية العامة، وإعادة توزيع المساعدات والدعم بشكل عادل بين المدينة والريف، لتكون الصحة حقًا وليس ترفًا.

مشاركة المقال: