الإثنين, 27 أكتوبر 2025 06:34 PM

زيارة أحمد الشرع إلى السعودية: شراكة استراتيجية وآفاق جديدة لسوريا في المشهد العربي

زيارة أحمد الشرع إلى السعودية: شراكة استراتيجية وآفاق جديدة لسوريا في المشهد العربي

يُجري الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم غد الثلاثاء، زيارة عمل إلى المملكة العربية السعودية، وهي الزيارة الثالثة له منذ توليه منصبه. تأتي هذه الخطوة لتؤكد المسار الجديد للسياسة السورية، والذي يرتكز على الانفتاح الإقليمي والاندماج الاقتصادي بعد سنوات من التحديات والعزلة.

أفادت مديرية الإعلام في رئاسة الجمهورية بأن الشرع سيلتقي خلال الزيارة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، خاصة في مجالات الاستثمار، والطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مناقشة آخر المستجدات الإقليمية والدولية.

كما سيشارك الرئيس السوري في الدورة التاسعة من مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، حيث من المتوقع أن يلقي كلمة أمام نخبة من القادة وصناع القرار في الاقتصاد العالمي.

من العزلة إلى الشراكة: تحول في السياسة السورية

تتجاوز زيارة الشرع إلى الرياض البروتوكولات الرسمية، فهي تتويج لمسار التقارب المتسارع بين دمشق والرياض منذ سقوط النظام البائد. ويرى مراقبون أن هذا التقارب يعكس تحولاً استراتيجياً في الرؤية السورية، التي لم تعد تقتصر على استعادة مكانتها العربية، بل تسعى إلى بناء شراكات اقتصادية قوية مع القوى الإقليمية المؤثرة، وعلى رأسها السعودية، بما يسهم في إعادة رسم صورة سوريا كدولة فاعلة.

وفي هذا السياق، صرح الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو لقناة حلب اليوم بأن "العلاقات السورية السعودية بعد سقوط النظام الاستبدادي الأسدي المجرم تتبوأ مكانة متميزة لم تعرفها من قبل، إذ تؤسس لمرحلة من التعاون الأخوي القائم على المصالح المشتركة التي تنعكس إيجاباً على الشعبين العربيين الشقيقين".

وأضاف سعدو أن دمشق "تولي أولوية واضحة للانفتاح على الرياض باعتبارها البوابة الأساسية للمنطقة العربية، ومدخلاً حيوياً لإعادة الاعتبار لسوريا سياسياً واقتصادياً"، مشيراً إلى أن هذا الانفتاح يعكس إدراكاً سورياً بأن استعادة الدور الإقليمي يمر عبر التكامل مع مركز القرار العربي والخليجي.

الاقتصاد مدخل السياسة

يحمل المؤتمر الذي يشارك فيه الشرع عنواناً ذا دلالة: "مبادرة مستقبل الاستثمار"، وهو ما يتماشى مع الطموح السوري في الانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة الاستثمار والبناء. وذكرت قناة الإخبارية السورية أن وفداً رفيع المستوى يضم وزراء المالية والاقتصاد والطاقة والاتصالات، وصل اليوم إلى العاصمة السعودية الرياض للمشاركة في المؤتمر.

ويرى محللون أن مشاركة سوريا في هذا المنتدى العالمي تمثل خطوة رمزية قوية نحو إعادة إدماجها في الاقتصاد الإقليمي والدولي، خاصة في ظل توجه الحكومة السورية لجذب رؤوس الأموال والشركات الكبرى إلى مشاريع إعادة الإعمار.

ويشير سعدو إلى أن السعودية تمتلك دوراً محورياً في ملف إعادة إعمار سوريا، الذي تُقدّر كلفته بما بين 600 و700 مليار دولار، موضحاً أن "نجاح هذه العملية يتطلب تضافر الجهود العربية والإسلامية والدولية، على أن يكون للرياض النصيب الأبرز في قيادتها نظراً لما تمتلكه من إمكانيات وتأثير عالمي".

السعودية.. شريك استراتيجي وبوابة عربية

يرى الكاتب السوري أن الدور السعودي في الملف السوري يتجاوز البعد الاقتصادي إلى البعد السياسي والإقليمي، إذ ترتبط المملكة بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والعواصم الغربية، ما يمنحها قدرة على التأثير في مسار الحلول السياسية ودعم استقرار سوريا، إضافة إلى التصدي لمحاولات التقسيم والتفتيت التي تغذيها بعض القوى الإقليمية.

ويضيف سعدو أن "الرياض بما تمثله من ثقل عربي وإسلامي تعد البوابة التي يمكن من خلالها لدمشق أن تعود بقوة إلى محيطها الطبيعي، بما يتيح استعادة دورها التاريخي في المنطقة".

ثلاث رسائل

تُعد زيارة الشرع الثالثة إلى السعودية خلال أقل من عام — بعد زيارتيه في شباط وأيار الماضيين — رسالة ثلاثية الأبعاد؛ فهي تأكيد سياسي على أن دمشق تتجه نحو استقرار داخلي يسمح بانفتاحها الخارجي بثقة، وعلى المستوى الاقتصادي تمثل سعيا حقيقيا لجذب الاستثمارات وإعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر شراكات استراتيجية. أما عربياً فهي تدل – وفق مراقبين – على رغبة واضحة في ترميم العلاقات مع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، كمدخل لاستعادة الدور الإقليمي لسوريا.

وفي المحصلة، تبدو زيارة الشرع إلى الرياض منعطفاً مهماً في مسار العلاقات السورية السعودية، وبداية مرحلة جديدة من الاندماج الإقليمي، يتداخل فيها الاقتصاد بالسياسة، وتتشكل من خلالها ملامح سوريا الجديدة التي تحاول إعادة تعريف دورها ومكانتها في العالم العربي.

مشاركة المقال: