يمثل دخول قوات "ردع العدوان" إلى مدينة سلمية في ريف حماة، بتاريخ 5 كانون الأول 2024، منعطفاً حاسماً في مسار عملياتها. لا تكمن أهمية هذه الخطوة في الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمدينة فحسب، بل أيضاً في رمزيتها الاجتماعية والسياسية في المشهد السوري الراهن. لطالما استُخدمت سلمية كأداة لتأجيج المخاوف الطائفية، لكنها سرعان ما تحولت إلى نموذج مغاير: انتقال سلمي للسلطة، وتوافقات مجتمعية واسعة، وحضور سياسي مُنظم سبق التحرك العسكري، مما ساهم في احتواء التوترات المحتملة.
كشفت تفاصيل العملية في سلمية عن كونها ليست مجرد حدث ميداني عابر، بل اختباراً جوهرياً لمشروع "ردع العدوان"، الذي يقوم على خطاب وطني شامل، وانضباط عسكري صارم، وإرساء علاقة جديدة بين القوات العسكرية والمجتمع. هذا التحول جعل من المدينة بوابة سياسية نحو مرحلة وطنية جديدة، تتضاءل فيها الاعتبارات الطائفية لصالح منطق الدولة ومسارها المستقبلي نحو دمشق.
شكل دخول قوات "ردع العدوان" إلى سلمية في 5 كانون الأول 2024 أول اختبار سياسي واجتماعي واسع النطاق لها منذ بدء عملياتها العسكرية. فالمدينة، التي تعتبر مركزاً للمكونات الاجتماعية السورية، وتحتل موقعاً جغرافياً حيوياً بين وسط سوريا وشرقها، كانت محط أنظار محلية ودولية مع اقتراب المعارك من حدودها، وسط مخاوف من وقوع صدامات طائفية أو فراغ أمني.
هدوء قبل التحرير.. وقلق شعبي
عاش سكان المدينة أياماً من القلق قبل انسحاب قوات النظام، بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، وانتشار الشائعات. ورغم الحصار الإعلامي، وصلت شهادات من الأهالي تشير إلى انضباط مقاتلي "ردع العدوان" في المناطق المحيطة، مما خفف نسبياً من المخاوف من دخولهم المرتقب، وقدم مؤشراً أولياً إلى طبيعة العلاقة التي تبنيها قوات الثوار مع المدنيين بوصفهم أبناء بيئة سورية واحدة.
ويرى المراقبون أن تحرير مدينة سلمية، ثاني أكبر مدن محافظة حماة بعد محردة، ثم السيطرة الكاملة على ريف حماة الشرقي، وسقوط أهم مراكز النظام في ريف حماة خلال أقل من 24 ساعة، كان نتيجة عمل عسكري متميز ومفاجئ، وثمرة تنسيق سياسي واسع بدأ قبل أسابيع من دخول قوات إدارة العمليات العسكرية، التي تواصلت مع وجهاء مدينة سلمية والمعارضة المدنية، لترتيب دخول آمن للمدينة وتحييدها عن القتال وتحقيق انتقال بلا دماء. وفي اليوم نفسه، عُقد اجتماع بين وفد من "ردع العدوان" وقيادات محلية، انتهى بالاتفاق على حل مجموعات النظام المسلحة وتسليم أسلحتها، وترك إدارة المدينة لأبنائها على غرار تجربة حلب بعد التحرير.
وكان لافتاً أن الميليشيات التابعة للنظام لم تُبدِ أي مقاومة، وهو ما فسره ناشطون محليون بأن تلك المجموعات كانت "متطوعة لأجل الرواتب فقط"، فيما ظلت المدينة تاريخياً معارضة للنظام منذ تظاهرات 2011. وبعد أيام، شهدت المدينة موجة واسعة لتسليم السلاح من المدنيين وعناصر النظام الفارّين، كما خرجت مظاهرات تُجدد شعارات 2011 بالدعوة إلى إسقاط النظام البائد وإحراق رموزه.
تأسيس لمشروع وطني
ويرى خبراء أن هذه السياسة الخطابية التي تبنتها قوات "ردع العدوان"، إلى جانب الانضباط العسكري، أسهمت في توسيع التسويات مع قوات النظام، وفي إيجاد بيئة حاضنة لتقدم قوات الثوار واختراق جبهة حمص وصولاً إلى أبواب دمشق، كما حملت رسائل داخلية وخارجية بأن سوريا الجديدة تُبنى على التسامح وحماية المكونات، وأن العملية العسكرية ليست مشروع تصفية بل مشروع دولة.