حسان خضر – لطالما اتبعت معظم دول مجلس التعاون الخليجي سياسات مالية توسعية وبرامج دعم شاملة. هذه السياسات أدت إلى تشوهات اقتصادية، أبرزها الاعتماد المفرط على النفط كمصدر دخل وحيد. ومع كل انخفاض في أسعار النفط، كانت الحكومات الخليجية تعدل سياساتها، وتتجه نحو التنويع الاقتصادي وتقليص الدعم.
لكن الوضع اليوم يبدو مختلفاً، فدول المجلس تشهد نهضة وتوسعاً يتطلبان تمويلاً ضخماً للمشاريع التنموية الكبرى. هذا ما دفعها إلى تسريع وتيرة إصدار السندات، مستغلةً إقبال المستثمرين على العوائد الدولارية المرتفعة قبل خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ففي مطلع العام الجاري، جمعت المملكة العربية السعودية 12 مليار دولار من أول طرح سندات دولية لها، بعد اعتماد خطة اقتراض سنوية بقيمة 37 مليار دولار. وقد تلقت طلبات بقيمة 30.5 مليار دولار لشراء سنداتها، ما أسهم في تقليص العائد على الشرائح المطروحة. وتولت بنوك “سيتي غروب” و”غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان” إدارة الصفقة.
من جانبها، عادت الكويت إلى سوق السندات الدولية بعد غياب ثماني سنوات، بإصدار تاريخي لسندات سيادية بقيمة 11.25 مليار دولار موزعة على ثلاث شرائح. الإصدار مكون من شريحة بمبلغ 3.25 مليارات دولار بأجل 3 سنوات، وشريحة بمبلغ 3 مليارات دولار بأجل 5 سنوات، وشريحة بمبلغ 5.0 مليارات دولار لأجل 10 سنوات. وقد فاق الاكتتاب المعروض بـ 2.5 مرتين، وذهب أكثر من 66% من التخصيصات لمستثمرين من خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المتوقع أن يحصل هذا الدين السيادي على تصنيف ائتماني ممتاز من وكالتي التصنيف الدوليتين «ستاندرد آند بورز» و«فيتش».
كما جمعت البحرين 2.5 ملياري دولار من أسواق الدين العالمية بعد طرح إصدار على شريحتين. وباعت المملكة صكوكاً بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل ثماني سنوات وسندات بمليار دولار لأجل 12 عاماً. وجذبت عملية البيع طلبات بأكثر من ثمانية مليارات دولار، ما سمح بتقليص التسعير عن الأسعار الاسترشادية. وأتاح الجمع بين المكونين الإسلامي والتقليدي في طرح أدوات الدين للبحرين الاستفادة من مجموعة أكبر من المستثمرين.
وفي السياق عينه، عمدت إمارة ابوظبي، إلى تسويق أول إصدار لسندات دولية منذ نيسان/ أبريل 2024، عبر شريحتين لأجل ثلاث وعشر سنوات، في إطار برنامجها العالمي لسندات الدين. وتستهدف العاصمة الإماراتية إصدار شريحة تستحق في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2028 وشريحة أخرى لأجل عشر سنوات تُستحق في 2 تشرين الأول 2035.
وتحمل أدوات الدين تصنيفات ائتمانية قوية عند مستوى “AA” من “ستاندرد أند بورز” و”فيتش”، و”Aa2” من “موديز”، وجميعها بنظرة مستقبلية مستقرة. ويمثل هذا الإصدار أول عودة لأبوظبي إلى الأسواق العالمية منذ صفقتها السابقة في نيسان حينما جمعت 5 مليارات دولار.
من جانبها، تعتزم دولة قطر طرح سندات دولارية ممتازة غير مضمونة بسعر فائدة ثابت على شرائح لآجال ثلاث وعشر سنوات، ومن المتوقع أن يحصل الإصدار على تصنيف «Aa2» من وكالة «موديز»، و«AA» من وكالة «ستاندرد آند بورز»، و«AA» من «فيتش».
ويتوقع محللو وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني العالمية أن تواصل دولة قطر استراتيجية تنويع مصادر تمويلها عند الحاجة. علماً بأن الزيادة الكبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي في قطر ستعزز النمو والإيرادات الحكومية والصادرات.
ورغم الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تتركه تلك السندات على اقتصادات تلك الدول، إلا أن ذلك من شأنه رفع مستوى الدين العام والمطلوبات بالعملة الأجنبية. فدخول الأسواق العالمية سوف يساعد حكومات تلك الدول على إبطاء وتيرة نضوب الاحتياطيات الأجنبية الرسمية، ويعطي فترة راحة أو مهلة للبنوك المحلية، ويحسّن من الشفافية، وذلك من دون زيادة مستوى الأخطار السيادية لدى هذه الدول.