الإثنين, 22 سبتمبر 2025 10:38 PM

سوريا الجديدة: تحولات كبرى وانفتاح على المستقبل بعد حقبة مضت

سوريا الجديدة: تحولات كبرى وانفتاح على المستقبل بعد حقبة مضت

بين الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 والرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2025، وهي الفترة التي تفصلنا عن موعد كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، شهدت سوريا الجديدة تحولات عميقة. يمكن القول إن هذه التحولات لم يشهدها تاريخ سوريا الحديث من قبل، حيث غيرت مجرى الأمور بعد سنوات طويلة من الركود التي استمرت 61 عامًا تحت حكم البعث. هذا الحكم الذي هيمن على كافة جوانب الحياة السورية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفرض لونًا واحدًا وأرجع البلاد إلى الوراء بسبب سياساته القمعية التي أقصت الكفاءات والنخب السورية.

بفضل الثامن من ديسمبر/كانون الأول، عاد العديد من الأطباء والمهندسين والخبراء الذين قضوا عقودًا في المنفى القسري أو الاختياري. لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع هذا التحول السريع من حالة الموت السريري إلى الواقع الجديد. لقد أثبتت سوريا للعالم كيف يكون اليوم التالي بعد التحرير، وهو اليوم الذي غالبًا ما يقلق صناع القرار السياسي. اليوم التالي أصبح دليلًا للأجيال القادمة، حين أعلن قائد التحرير والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع "نصر لا ثأر فيه".

الأجمل من ذلك هو استجابة كل من تعرض للظلم والفتك الكيماوي والبرميلي والتدميري لهذا النداء، حيث انصاع الجميع لقرار القيادة وتعاملوا بروح جديدة عكست معاني الصفح والعفو، لتنطلق أشعة سوريا من جديد نحو الداخل والخارج.

تتميز سوريا الجديدة اليوم بالشفافية والسرعة في معالجة الجروح، كما ظهر في أحداث الساحل السوري، حيث سارعت الحكومة السورية إلى تشكيل لجنة وطنية من قضاة مشهود لهم على الساحة الوطنية والعالمية، وأصدرت تقريرًا شفافًا أكدته اللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة. وقد سمحت الحكومة للمحققين الدوليين بدخول الساحل السوري وممارسة عملهم بحرية، وهو ما كان ممنوعًا في السابق، مما يعكس شفافية العهد الجديد.

على الصعيد الداخلي، استكمل العهد الجديد معظم خطواته الدستورية، وكان آخرها انتخابات مجلس الشعب التي عكست مشاركة الجميع في هذا العرس الوطني. وتزامن ذلك مع السعي إلى طي صفحة الجراح الأهلية في السويداء، وذلك من خلال اتفاق بمشاركة أردنية وأمريكية يؤكد حرص السوريين وحلفائهم على تجاوز المرحلة الماضية.

يترافق كل ذلك مع الانفتاح السوري اقتصاديًا وسياسيًا، حيث تدفقت الشركات من مختلف الدول للاستثمار في سوريا الجديدة، مما يعكس الثقة بالعهد الجديد. كما تم التوجه إلى موسكو التي دعمت النظام السابق، مما أظهر قدرة العهد الجديد على تجاوز مرارات الماضي من أجل مصلحة البلاد والعباد.

على الصعيد الداخلي، تحسنت القوة الشرائية لليرة السورية بعد عودة أوصال البلاد إلى بعضها، بالإضافة إلى رفع رواتب الموظفين بنسبة 200%، مما حسن الواقع الاقتصادي للأفراد. كما زادت ساعات الكهرباء إلى الضعف، مما خفف من المصاعب التي عانى منها الشعب السوري في ظل النظام السابق. وارتفعت أسهم الجامعات السورية مع عودة الكوادر السورية ورفع العقوبات المفروضة عليها وعلى الحياة السورية بشكل عام، حيث تم رفع عقوبات كانت مفروضة منذ أواخر السبعينيات، لتعود سوريا إلى محيطها العربي والدولي خالية من العقوبات والتوترات، وكان آخرها رفع العلم السوري على سفارتنا في واشنطن.

سعت إسرائيل منذ اليوم الأول للتحرير إلى تنغيص فرحة السوريين عبر استهداف مقدراتهم العسكرية، وتوجت ذلك باستهداف محيط القصر الجمهوري ورئاسة الأركان السورية، مما اعتبر إعلان حرب واضح على سوريا الجديدة، كما قال الرئيس. ولكن سوريا الجديدة تتجه نحو تنمية نفسها وتطويرها وإعادة المهجرين والنازحين البالغ عددهم 14 مليون شخص. ولذا لجأت إلى حلفائها العرب والمسلمين، ومعهم حلفاؤهم وأصدقاؤهم في الغرب، للضغط على تل أبيب لكبح جماحها والانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها خلال فترة التحرير، وانخرط العهد الجديد في اتصالات ولقاءات مع قادة الاحتلال الإسرائيلي للعودة إلى اتفاق 1974 واتفاق أمني يفضي إلى سحب كل قواته من الأراضي التي احتلها بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول.

إن سوريا الجديدة التي قدمها الرئيس الشرع هي سوريا المفيدة لجيرانها وللعالم كله، بعد أن اقتلعت نظامًا مجرمًا استبداديًا، سمته الأساسية لـ 61 عامًا من حكمه: ابتزاز المنطقة، بعد أن حول سوريا إلى مرتع للعصابات الإرهابية التي تزرع الخوف والقلق والرعب في لبنان والعالم العربي، وغير العربي باستهداف المعارضة إن كان في لبنان، وباريس، أو مدريد، ولندن، وآخن، فجعل من سوريا أكبر إمبراطورية للكبتاغون، يرسل شحناته إلى العالمين العربي والغربي، ومعها يغرق دول الجوار الأقرب والأبعد بموجات من المهاجرين، ليستغلهم كسلاح وورقة مساومة في ابتزاز الدول المضيفة لهم، لإبعادها عن الثورة السورية.

لقد غدا الجوار العربي، ومعه العالم كله أكثر أمانًا واستقرارًا، مع سوريا ما بعد نظام الأسد، ونحن نرى الحالة التي يعيشها الأردن، وتركيا، والخليج بعد اقتلاع هذا النظام الذي دأب على ابتزاز الكل، إن كان من خلال إرهابه ومليشياته المؤيدة له، أو من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين، بفرض وقائع جيوسياسية مقلقة لدول الجوار، أو الخليج، أو بإغراقها بالكبتاغون، لنشر السموم وسط جيل الشباب الذي هو أمل ومستقبل تلك الدول.

لم تسترح سوريا فقط، لقد استراحت المنطقة كلها، واستراح معها العالم كله، فأمن المنطقة مرتبط باستقرار سوريا، المعروفة بمكانتها الجيوسياسية والتاريخية، والإشعاعية الحضارية المهمة، فلا تتركوا سوريا وحدها. سوريا الجديدة صحت من كبوتها، ولا عودة إلى الماضي، والقادم أجمل- بإذن الله- للسوريين وللجميع، وما زالت كلمات الرئيس أحمد الشرع في خطابه بمعرض الكتاب بإدلب في أغسطس/آب/ 2024 قبل أربعة أشهر من التحرير ترنُّ في أذني: “ويلٌ لأمة تكبو فيها دمشق”.

أحمد موفق زيدان – الجزيرة

مشاركة المقال: