الثلاثاء, 9 سبتمبر 2025 11:47 PM

سوريا بعد سقوط الأسد: اهتمام سياسي واسع النطاق يقابله عزوف عن المشاركة الحزبية

سوريا بعد سقوط الأسد: اهتمام سياسي واسع النطاق يقابله عزوف عن المشاركة الحزبية

شكّل سقوط نظام “بشار الأسد” في 8 كانون الأول 2024 نقطة تحول في تاريخ “سوريا”، حيث أعاد السياسة إلى صدارة اهتمامات المواطنين وأحيا الاهتمام بالشأن العام.

سناك سوري _ محمد العمر

أجرت وحدة الأبحاث دراسة حول “أزمة التمثيل السياسي خلال المرحلة الانتقالية، الفجوة التمثيلية للنساء والشباب”، شملت استطلاع آراء 768 شخصاً من النساء والشباب. وكشفت الدراسة أن 82.1% من المشاركين مهتمون بالقضايا السياسية، إلا أن هذا الاهتمام لا يترجم إلى انخراط فعلي في التنظيمات السياسية المختلفة.

توضح نتائج الاستبيان أنه ضمن عينة النساء الناشطات سياسياً (20% من العينة)، فإن 8.6% منهن منتسبات إلى تنظيمات سياسية، وغالبيتها منظمات نسوية تتبنى المشاركة السياسية للمرأة. بينما تنخفض هذه النسبة إلى 4.3% في العينة العشوائية. وينطبق الأمر ذاته على شريحة الشباب (من الجنسين)، حيث أن 2.3% فقط من العينة العشوائية منتسبون إلى تنظيمات سياسية مختلفة، بينما ترتفع النسبة إلى 10.7% بين الناشطين السياسيين الشباب. ويعزى هذا الواقع إلى أسباب وعوامل تتعلق ببنية وفعالية القوى السياسية، والسياق التاريخي، وطريقة التغيير التي شهدتها البلاد.

تظهر هذه المعطيات أن حماس السوريين للسياسة قد وجد متنفساً له بعد سقوط النظام، مع الأمل في تحقيق سقف عالٍ من الحرية للمشاركة في صنع القرار وتقرير المصير، والشعور بالمواطنة والمساهمة في الحكم وإدارة الدولة كحق حرمه نظام “الأسد” لعقود.

إبعاد الشارع عن تقرير مسار الأحداث

إلا أن مجريات الأحداث لم تستثمر هذا الحماس في إشراك المواطنين في صناعة القرار ودعم مستقبل البلاد عبر المساهمة في اختيار سلطتهم والانخراط فيها. فوصول الإدارة الجديدة إلى الحكم لم يختلف كثيراً عن فترة الانقلابات العسكرية في خمسينيات القرن الماضي في “سوريا”، حيث دخلت “هيئة تحرير الشام” بشكل شبه تلقائي إلى قصر الشعب، مستندةً إلى قيادتها لعملية “ردع العدوان” التي كانت آخر معركة ضد النظام السابق وأدت إلى الإطاحة به وهرب رئيسه إلى “موسكو”.

بادر قائد الهيئة “أحمد الشرع” إلى إطلاق “مؤتمر النصر” الذي شارك فيه 14 فصيلاً عسكرياً، وقرروا تسمية “الشرع” رئيساً للدولة خلال المرحلة الانتقالية التي اختار لها أن تمتد 5 سنوات لحين إقرار دستور دائم للبلاد، قبل أن يتم إقرار “الإعلان الدستوري” كنص ينظم مجريات الأمور في البلاد خلال المرحلة الانتقالية. إلا أن كل ذلك تم بعيداً عن الشارع ودون الأخذ برأي المواطنين.

حوار وطني بلا أحزاب

من جانب آخر، أعلنت السلطة الجديدة إطلاق مؤتمر للحوار الوطني، كخطوة تعبر عن اهتمامها بإشراك المواطنين في صياغة مستقبل بلادهم. إلا أن طريقة إدارة الحوار أظهرت أنه كان شكلياً ومفرغاً من محتواه وهدفه، حيث أصرت السلطة على دعوة المشاركين بصفتهم الشخصية فقط دون الإشارة إلى موقعهم السياسي سواء في حزب أو تجمع أو تيار، وأقصت بذلك المكونات السياسية سواء كانت أحزاباً ناشئة أو تجمعات تكونت بعد سقوط النظام. كما أصدرت قراراً بحل الكيانات السياسية التي تشكلت خلال سنوات الثورة وفي مقدمتها “الائتلاف الوطني” الذي كان جامعاً للعديد من التشكيلات السياسية المعارضة لنظام “الأسد”. واعتبر فاعلون سياسيون التقاهم سناك سوري أن حل الائتلاف بهذه الطريقة مؤشر سلبي تجاه إحياء الحياة السياسية والحزبية التي تحتاجها سوريا بعد عقود القمع.

كما بدا قرار تشكيل القادم مخيباً للآمال، حيث تقرر أن يعين رئيس الدولة ثلث الأعضاء مباشرة، على أن تختار اللجنة العليا التي عينها الرئيس أيضاً لجاناً فرعية تختار هيئات ناخبة تتولى مهمة الترشح والانتخاب معاً، دون أي دور مباشر للمواطنين في اختيار ممثليهم.

أدى عدم الدفع نحو تفعيل الدور السياسي للمواطنين وإحياء الحياة الحزبية، إلى عزوف المجتمع عن الانخراط في التنظيمات السياسية. وأظهر البحث الذي أجراه سناك سوري أن نسبة الشباب المنتسبين لتنظيمات سياسية بعد 8 كانون الأول لم تتجاوز 2.3% في العينة العشوائية و10.7% من الناشطين سياسياً، كما أن نسبة النساء المنتسبات لتنظيمات سياسية بعد سقوط النظام لم تتجاوز كذلك 4.3% في العينة العشوائية و8.6% من الناشطات سياسياً. وهي نسب ضعيفة جداً مقارنة بحجم الاهتمام بالقضايا السياسية الذي يصل إلى 82.1% من المشاركين، والذي لم ينعكس على المشاركة الفعلية عبر الانضمام لمكونات سياسية، ما يكشف عن نوع من الإحباط وخيبة الأمل بفاعلية الأحزاب، فضلاً عن غموض موقف السلطة تجاه الحريات السياسية والعمل الحزبي، إذ لم يصدر عنها أي قرار واضح ينص على فتح المجال أمام التشكيلات السياسية التي كانت المشاركة فيها تهمة في عهد نظام “الأسد”.

الحرية السياسية بعد سقوط نظام الأسد

تشير نتائج الاستبيان إلى أن الصورة لا تزال ضبابية بالنسبة لغالبية المستطلَعين حيال حرية العمل السياسي، إذ تُظهر النتائج أن أكثر من نصف النساء (60%) والشباب (52.5%) يعتبرون الوضع السياسي غير واضح، مقابل نسب ضئيلة فقط ترى أن العمل السياسي بات حراً بالكامل.

جاءت حالة الترقب والحذر هذه كنتيجة طبيعية للغموض والالتباس الناشئ خلال المرحلة الانتقالية، إلى جانب عوامل أخرى عدة مثل المحاذير الأمنية والخوف، وعدم القناعة ببرامج الأحزاب والتيارات الموجودة وحاجة كثيرين للتدريب والتأهيل السياسي.

أوصى البحث في الختام بإشراك الأحزاب في اتخاذ القرار لا عبر لجان رمزية، ومراجعة البنية الداخلية للأحزاب لضمان مشاركة النساء والشباب في مواقع صنع القرار وتداول القيادة ودمج النساء والشباب في المواقع المؤثرة، وعدم حل الكيانات السياسية والتمثيلية التي ولدت خلال سنوات الثورة والحفاظ عليها كأجسام تمثيلية بديلة تعبر عن المصالح والتنوع ولا تحل محل مؤسسات الدولة.

مشاركة المقال: