الجمعة, 2 مايو 2025 12:53 AM

سوريا: تصاعد التوتر الطائفي يهدد السلم الأهلي في مناطق الدروز.. هل تنجح جهود التهدئة؟

سوريا: تصاعد التوتر الطائفي يهدد السلم الأهلي في مناطق الدروز.. هل تنجح جهود التهدئة؟

بين خطابات التهدئة والتصعيد: هل ينهار السلم الأهلي بمناطق الدروز في سوريا؟

تعيد أحداث جرمانا وصحنايا إلى الواجهة سؤالاً مؤجلاً حيال السلم الأهلي، وتأثير العنف في مناطق الدروز على التماسك الاجتماعي والتعايش في البلاد.

باريس- بالتزامن مع تصاعد حاد في خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، تشهد المناطق ذات الغالبية الدرزية في سوريا موجة عنف، منذ أيام، تصاعدت بشكل لافت خلال اليومين الماضيين في جرمانا وصحنايا بريف دمشق، وامتدت إلى أجزاء من محافظة السويداء.

بدأ التوتر عندما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً منسوباً لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، يحتوي على إساءة للرسول محمد (ص)، علماً أن الشيخ نفسه نفى التسجيل، وكذلك فعلت وزارة الداخلية السورية.

تطورت أعمال العنف إلى أحداث دامية في صحنايا وأشرفية صحنايا بمقتل العديد من الأشخاص، بينهم عناصر من الأمن العام التابع لحكومة دمشق وعناصر تابعة للفصائل المحلية الدرزية، في مشهد يعيد إلى الواجهة سؤالاً مؤجلاً حيال مصير السلم الأهلي وتأثير العنف على التماسك الاجتماعي والتعايش في البلاد.

وفيما أصدرت مشيخة العقل، بياناً موقعاً من الشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي يدعو إلى التهدئة وضبط النفس، أخذ الشيخ حكمت الهجري نبرة تصعيدية مع دمشق، ما يعكس انقساماً داخلياً في خطاب المرجعيات الدينية في المجتمع الدرزي، الذي يجد نفسه أمام أعمال عنف مصدرها “جماعات خارجة عن القانون” على حد وصف حكومة دمشق، فيما تُتهم القوات الحكومية بالتورط أيضاً في هذه الأعمال.

وبعد إعلان مديرية الأمن العام انتهاء العملية الأمنية في منطقة أشرفية صحنايا، أصدر الهجري بياناً جديداً، يرى فيه أن الدروز يتعرضون “لهجمة إبادة غير مبررة”، مطالباً بالحماية الدولية، وداعياً المجتمع الدولي عدم التجاهل.

وجاء بيان الهجري الأخير على عكس بيان الهيئة الروحية في جرمانا، التي أصدرته اليوم، مؤكدة فيه على أن المساعي مستمرة لإعادة مظاهر الحياة إلى طبيعتها وتعزيز الأمن والاستقرار. ودعت فيه الجهات المعنية إلى “ممارسة دورها في إيقاف العناصر والفصائل غير المنضبطة، والمتواجدة خارج المدينة، والتي تعمل على استفزاز عناصر الأمن العام في جرمانا، وأهالي المدينة”.

يسلط هذا التقرير الضوء على جذور التوتر وتداعياته على السلم الأهلي، في ظل تصاعد خطاب الكراهية من مختلف الأطراف، واستمرار المسار التصادمي بين مكونات الشعب السوري على حساب السلم والتعايش، ويناقش دور دمشق ومدى قدرتها على ترميم الشرخ في السلم الأهلي، وضبط أعمال العنف.

ماذا جرى؟

في أعقاب انتشار التسجيل الصوتي المنسوب لأحد مشايخ الطائفة الدرزية، تعرض طلبة دروز في السكن الجامعي بمدينة حمص للهجوم والضرب على يد طلبة آخرين، وقالت دمشق أنها ألقت القبض على المتورطين بالحادثة واحتوت الموقف.

وبعد ساعات، اندلع التوتر في جرمانا وصحنايا بريف دمشق، كرد فعل على التسجيل، الذي نفت صحته وزارة الداخلية، وتطورت الحادثة إلى مواجهات بعد هجوم نفذته مجموعات عسكرية على المدينتين. وأعلنت إدارة الأمن العام مقتل عناصر لها في جرمانا، أثناء فض الاشتباكات بين مجموعات مسلحة من خارج المدنية وأخرى من داخليها.

في 29 نيسان/ أبريل، توصلت الحكومة السورية ووجهاء من جرمانا إلى اتفاق يضمن “إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الشبان الذين قتلوا في المدينة نتيجة المواجهات”، إضافة إلى تعهد الحكومة بـ”محاسبة المتورطين بالهجوم والعمل على تقديمهم للقضاء”، وتوضيح حقيقة ما جرى و”الحد من التجييش بكل أشكاله”، إضافة إلى “العمل على تأمين حركة السير بين دمشق والسويداء أمام المدنيين”.

بلغت المواجهات ذروتها وتوسعت رقعتها إلى طريق دمشق-السويداء، أمس، عندما حاولت مجموعات محلية في السويداء إرسال تعزيزات إلى صحنايا، قبل أن تشتبك مع مجموعات محلية موالية لحكومة دمشق من محافظات السويداء ودرعا وريف دمشق.

ألقى علي الرفاعي، مسؤول العلاقات الإعلامية في وزارة الإعلام السورية “مجموعات خارجة عن القانون” مسؤولية الهجمات التي وقعت في جرمانا وصحنايا بريف دمشق، دون أن يوضح ما إذا كانت هذه المجموعات موالية لدمشق أو مجموعات درزية. وقال الرفاعي في بيان، نشر أمس، أن الأمن العام منع توجه مجموعات مسلحة مزودة برشاشات ثقيلة من صحنايا إلى جرمانا، ما دفع عناصر هذه المجموعات إلى إطلاق النار على الأمن العام واندلاع اشتباكات مسلحة.

“السلم الأهلي مهدد”

“عادت الحياة إلى طبيعتها وفتحت المحلات التجارية أبوابها بعد توقف الاشتباكات والعمليات العسكرية في صحنايا”، كما قال عمار ياسر (اسم مستعار)، من مكان إقامته في صحنايا، معتبراً أن ما حصل “فتنة” متعمدة اندلعت شرارتها بسبب “التسجيل الصوتي”. وأضاف ياسر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن شرارة الاشتباكات بدأت عندما “اقتحمت مجموعة عسكرية، غالبيتها مقاتلين أجانب، المدينة وبدأت بإطلاق الرصاص داخلها”، قبل أن يشتبك معها “الأمن العام ومجموعات من حركة رجال الكرامة”.

أوقف المقاتلون الأجانب ياسر وسألوه عن دينه “وأين يتواجد الدروز”، مؤكداً أنهم “كانوا يبحثون عن الدروز”، وهو ما دفعه إلى التزام بيته طيلة الأيام الثلاث الماضية، لكن “المقاتلين الأجانب رفقة عدد قليل من السوريين دخلوا منازلنا وسألونا عن ديننا، السني تركوه والدرزي أخذوه وأفرغوا بيته”، على حد قوله. عبر ياسر، وهو من المكون السني، عن أسفه لما حصل معتبراً أن “السلم الأهلي مهدد اليوم” أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن “غادر الكثير من كل المكونات صحنايا”.

“المسؤولية الكبيرة تقع على رأس السلطة في كل منزلق خطير من هذا الشكل بصرف النظر عن جموح البعض من أي طائفة وأي مكون”، بحسب الصحفي السوري حسان شمس، المقيم في قرية مجدل شمس في الجولان المحتل، مشدداً على أنه “لا يمكن للحكومة أن تتعامل بمنطق ثأري وانتقامي ضد أي مكون سوري”. وطالب شمس سلطات دمشق بضرورة “تقديم تطمينات حقيقية”، وأن تتعامل كـ”دولة تتحمل مسؤوليتها”، مذكراً الحكومة السورية بكلام الرئيس الشرع “عندما قال منطق الثورة غير منطق الدولة، لكن ما يجري على الأرض عكس ذلك”، بحسب شمس.

بدوره، قال الدكتور رضوان زيادة، زميل بارز في مركز أبحاث المركز العربي في واشنطن العاصمة، أن “الأحداث الأخيرة كانت متوقعة”، عازياً ذلك إلى “رفض بعض المجموعات الدرزية في السويداء دخول الأمن العام وعناصر الجيش السوري لحفظ الاستقرار”. وأضاف زيادة أن “العدد الأكبر من ضحايا المواجهات هي من الأمن العام”، مشيراً إلى أن الأخير “تعلم من درس الساحل بشكل كبير، لذلك قام بتطويق الأحداث وتحمل الصدمة أو الضغط الأولي للأحداث”.

ونفى زيادة أن يكون للأحداث الأخيرة انعكاسات على مستوى السلم الأهلي والاجتماعي، ومع ذلك “يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الطائفية تتعمق بشكل كبير بسبب خطاب بعض الرموز في السويداء، وخاصة الشيخ حكمت الهجري، الذي يرفض إدانة التدخلات الإسرائيلية بشكل علني، وهي نقطة حساسة للسوريين”.

تزامناً مع التوترات الميدانية، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، تصاعداً ملحوظاً في خطاب الكراهية “والتجييش والخندقة بين مختلف الطوائف”، قال زيادة، مشدداً على أن “السفينة، وهي سوريا، تحتاج إلى كل مواطنيها وطوائفها، فالتعددية الطائفية مصدر زينة وإغراء”.

ومع تصاعد المواجهات العسكرية على الأرض، نفذت طائرة إسرائيلية، يوم أمس الأربعاء، غارة جوية في مدينة صحنايا. وبحسب لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، نفذ الجيش الإسرائيلي “غارة تحذيرية” استهدفت “مجموعة مسلحة” كانت تستعد لمهاجمة “مجمع درزي”. ونقلت إسرائيل “رسالة جدية” إلى القيادة السورية، بحسب بيان تل أبيب، مشيرة إلى أنها “تتوقع منها التحرك لمنع إلحاق الأذى بالدروز”.

تعليقاً على التصريحات الإسرائيلية، قال الصحفي شمس أن “وظيفة إسرائيل تأجيج الصراع في سوريا”، محذراً من أن “من يضع يده بيد إسرائيل هو لا يعلم أنها لا تقبل التشاركية، وتستخدم هؤلاء الناس لمصالحها الشخصية، فكل شخص يوافق إسرائيل هو أداة يستجر الفتنة لأهله وطائفته وسوريّته”، في إشارة إلى العديد من الأقليات الذين يطالبون إسرائيل بالتدخل من أجل حمايتهم. لكن، لا يمكن سدّ الطريق أمام تل أبيب إذا لم تتعامل “السلطات في دمشق بحكمة مع هذه الأزمات”، بحسب شمس.

ترميم الشرخ الاجتماعي

انتقد الصحفي حسان شمس مؤتمر الحوار الوطني، الذي جرى في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وكذلك انتقد الإعلان الدستوري، الذي أعلنت عنه دمشق في منتصف آذار/ مارس الماضي، لأن دمشق لم تحمل فيهما “رسائل مطمئنة للمكونات السورية، وإنما بثت الخوف لدى البعض”. لذا، من أجل ترميم السلم الأهلي “يجب على الحكومة أن تعيد الدعوة لمؤتمر حوار وطني جديد، يدعو أكارم الشعب السوري والناس المحترفة، ويقدم صياغة دستورية يتساوى تحت سقفها الجميع”. كذلك عليها “تطهير مفاصلها من أي شخص خارج عن القانون ومنطق الدولة سواء كان سورياً أو أجنبياً”.

في المقابل، إذا استمرت دمشق على ممارساتها فإنها “تستدعي الشيطان الرجيم المسمى إسرائيل، وقد تذهب إلى التقسيم”، على حد وصف شمس، مشدداً على حق السوريين في “الحصول على تطمينات لا سيما من خلفية السلطة الحالية الجهادية”. كذلك، فإن تأخر دمشق في التعامل مع ملف “المحاسبة والعدالة” يعقد المشهد، بحسب شمس، وهذا يستدعي سرعة “إيقاف المجرمين من كل الطوائف ومحاسبتهم في محاكم عادلة، ومحاسبة من يقدم لهم الدعم والتغطية، لكن دون أن نأخذ طائفة بأكملها بجريرة شخص مجرم”.

وذهب زيادة إلى ضرورة أن تعمل دمشق على “خلق مسار سياسي يتعلق بالحوار والمشاركة السياسية، يترافق مع المسار الأمني الذي تعمل عليه حالياً”. إضافة إلى “معالجة الجذور الرئيسية للتوترات، التي تتعلق بالفرص الاقتصادية والاجتماعية”.

مشاركة المقال: