في خطوة استراتيجية واقتصادية هامة، شهدت سوريا وتركيا تدشين خط إقليمي جديد لنقل الغاز الطبيعي، يمتد من أذربيجان عبر الأراضي التركية وصولاً إلى سوريا. وقد جرى ذلك بمشاركة فاعلة من قطر وأذربيجان، وحضور رسمي رفيع المستوى ضم وزير الطاقة السوري محمد البشير، ووزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، ووزير الاقتصاد الأذربيجاني ميكائيل جباروف، بالإضافة إلى ممثلين عن صندوق قطر للتنمية.
يُعد هذا المشروع نقلة نوعية في قطاع الطاقة السوري، ليس فقط كخط إمداد بالوقود، بل كمدخل لإعادة دمج سوريا في منظومة الطاقة الإقليمية، وتعزيز أمنها الطاقوي، ودفع عجلة إعادة الإعمار.
خطوة محورية
يعتبر البشير المشروع بداية جديدة، خاصة وأن الخط الجديد سيمكن من توريد ما يصل إلى 6 ملايين متر مكعب يومياً من الغاز الطبيعي. وستبدأ المرحلة الأولى بتوريد 3.4 ملايين متر مكعب يومياً، قادمة من أذربيجان عبر تركيا، لتصل إلى محطات التوليد في مدينة حلب، وذلك ضمن مساعدة مقدمة من دولة قطر، مما يؤكد الدور الداعم الذي تقوم به الدوحة في مسار إعادة الإعمار السوري.
يمثل المشروع دعامة أساسية لإحياء قطاع الكهرباء المتضرر، وخطوة محورية في تأمين الوقود اللازم لتشغيل عدد من المحطات الكهربائية، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على القطاعات الخدمية والاقتصادية في البلاد.
مرحلة جديدة
وفي تعليق له، أوضح الخبير في اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ "النهار"، أن "سوريا تدخل الآن مرحلة جديدة بعد 14 عاماً من الحرب والصراعات، تتطلب إحياء البنية التحتية والخدمات الحيوية كالكهرباء والمياه، وهي عناصر ضرورية لاستعادة الحياة الطبيعية".
وأضاف: "استعادة الخدمات الكهربائية تعتبر أولوية للاقتصاد والنشاط التجاري وعودة دوران العجلة الاقتصادية"، مشيراً إلى أن دولة قطر أظهرت التزاماً جاداً تجاه دعم الشعب السوري، حيث أعلنت مؤخراً انطلاق المرحلة الثانية من مشروع دعم قطاع الكهرباء السوري.
أبعاد استراتيجية وأمن طاقوي
يتجاوز المشروع كونه مجرد خط لنقل الغاز، بل يحمل دلالات استراتيجية نحو إعادة دمج سوريا في المشهد الطاقوي الإقليمي وخريطة التوزيع والإمداد، ويمنحها فرصة لبناء شراكات اقتصادية مستدامة.
عوائد مرتقبة
يشير إسماعيل إلى أن المشروع يحمل عوائد اقتصادية مرتقبة، أبرزها تعزيز قدرة سوريا على جذب استثمارات جديدة في قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة والسياحة، نظراً لأهمية الكهرباء في تحفيز هذه القطاعات. كما أن التعاون الثلاثي بين تركيا وأذربيجان وقطر يمنح المشروع طابعاً إقليمياً، قد يشجع الدول العربية والعالم الأخرى على دعم خطط الإعمار والمساهمة في استقرار سوريا.
وتتفق معه أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، على أن دخول سوريا على خط المعادلة الطاقوية في منطقة الشرق الأوسط يعكس تحولاً استراتيجياً يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية، ويمنح دمشق فرصة لملء الفراغ الزمني في هذه المنطقة الحيوية.
وتضيف أن المردود الاقتصادي المنتظر من مشروع خط الغاز يشكل دعماً مباشراً لقطاع الكهرباء السوري، ويتماشى مع الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها الحكومة السورية لتعزيز أمن الطاقة وضمان الاستدامة، ليس فقط لتشغيل المحطات الحيوية، بل أيضاً لتوفير مقومات العودة الآمنة للاجئين، وتهيئة بيئة ملائمة لإعادة الإعمار.
وتشير إلى أن التدفقات الغازية المتوقعة ستنعكس مباشرة على زيادة عدد ساعات تشغيل التيار الكهربائي، وهو تطور نوعي مقارنة بالوضع خلال السنوات الماضية.