الأحد, 22 يونيو 2025 07:17 AM

سوريا تعود إلى نظام سويفت: هل تنجح في تجاوز التحديات المالية والاقتصادية؟

سوريا تعود إلى نظام سويفت: هل تنجح في تجاوز التحديات المالية والاقتصادية؟

بعد سنوات من العزلة المالية بسبب العقوبات الغربية، تتجه سوريا نحو الانفتاح على العالم بإعلان عودتها الرسمية إلى نظام التحويلات المصرفية العالمي SWIFT. أثار هذا القرار اهتمامًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والدبلوماسية، واعتبر خطوة هامة نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي، ولكنه أثار أيضًا تساؤلات حول الجاهزية المؤسساتية، ومخاطر الفشل، وفرص الاستثمار المتاحة.

فرصة للانفتاح بشروط

يرى مستشار الامتثال المصرفي والحوكمة ومكافحة الجرائم المالية آلان خضركي أن عودة التحويلات المالية عبر سويفت تمثل "تطورًا لافتًا في المشهد المالي السوري"، وقد تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتسهيل المعاملات المالية، وتحسين بيئة الاستثمار والتجارة الخارجية. ومع ذلك، يحذر من أن هذا التحول "لا يخلو من تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الجرائم المالية والامتثال للمعايير الدولية المتقدمة".

من جهتها، تعتبر الخبيرة الاقتصادية والوزيرة السابقة لمياء عاصي أن العودة إلى SWIFT "خطوة مهمة"، ولكنها لا تعني بالضرورة نهاية القطيعة. وتوضح أنه "للاستفادة منها، يجب إجراء إصلاحات مؤسساتية كبيرة في القطاع المالي، ويتطلب نجاح هذه الإصلاحات إرادة سياسية قوية، ودعم وشراكات دولية، واستراتيجية تنفيذية واضحة".

تؤكد الصحفية المختصة بالشأن الاقتصادي فيوليت بلعة أن قرار العودة "يضع اللبنة الأولى في مشروع حجز مقعد جديد لسوريا في النظام المصرفي العالمي بعد غياب طال منذ العام 2011"، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستنعكس إيجابًا على البنك المركزي من خلال تدفق العملات الصعبة، مما قد يساهم في دعم الاستقرار النقدي وتحفيز المناخ الاستثماري.

تحديات تقنية وتشريعية وأخلاقية

يتفق الخبراء الثلاثة على أن الانفتاح وحده لا يكفي، وأن النجاح الحقيقي يعتمد على تحقيق شروط متعددة، تبدأ من التشريعات ولا تنتهي بالبنية الرقمية. يوضح خضركي لمنصة سوريا 24 أن سوريا تواجه تحديات بنيوية، تبدأ بـ"ضعف الأنظمة والتشريعات الناظمة"، حيث تحتاج القوانين إلى "تحديث جذري لتتماشى مع متطلبات الامتثال العالمية، خصوصًا تلك المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب". كما يشير إلى "فقدان الكوادر المؤهلة" للعمل في الامتثال، وانعدام الثقة بالقطاع المصرفي المحلي نتيجة ممارسات غير قانونية سابقة، بالإضافة إلى "غياب شبكة بنوك مراسلة ذات مصداقية".

تؤكد عاصي لمنصة سوريا 24 أن البنية التحتية المصرفية في سوريا "عاشت شبه عزلة عن التعامل مع المصارف العالمية"، وبالتالي فهي "بحاجة إلى توافق مع معايير صارمة تشمل الأنظمة الإلكترونية، وأمن المعلومات، ومعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومعايير بازل 3". وتشير إلى أن رفع العقوبات ما يزال قيد المراجعة، وأن المصارف تحتاج إلى "تأهيل الكوادر على الامتثال للمعايير الدولية".

تعتبر فيوليت بلعة أن هذه الخطوة، رغم رمزيتها، "هي البداية فقط"، لأن "عودة سويفت لا تعني بالضرورة إصلاحًا فعليًا، إن لم تترافق مع ورشة تقنية وتشريعية واسعة". وتشير لمنصة سوريا 24 إلى أن المصارف تحتاج إلى تحديث سريع للبنية التقنية، ومواكبة التطورات المصرفية العالمية، بما في ذلك الامتثال، والأمن الرقمي، ومكافحة تبييض الأموال.

انعكاسات اقتصادية مباشرة وتقليص اقتصاد الظل

يرى خضركي أن هذه اللحظة تشكل "فرصة ذهبية"، مشيرًا إلى أن بناء نظام تحويلات مؤتمت برعاية البنك المركزي، واعتماد المعايير الأوروبية الحديثة (مثل DORA وISO 20022)، من شأنه أن يحقق الصمود الرقمي، ويقلل من المخاطر التقنية، ويفتح الباب أمام منصة وطنية موثوقة. ويقترح "إنشاء وحدة مركزية للامتثال والتدقيق" تكون مستقلة، وتتولى إدارة مخاطر التحويلات ومتابعة الامتثال بالتنسيق مع الجهات الدولية.

تشير عاصي إلى أن تفعيل SWIFT "سيساعد في كثير من العمليات التجارية والمالية"، منها تسهيل التجارة الخارجية، وخفض تكلفة فتح الاعتمادات المستندية، وتسريع التسويات المالية، وتسهيل تحويلات المغتربين. وترى أن "عودة سويفت تعني الالتزام بالمعايير الدولية، مما يزيد اطمئنان الشركات والمؤسسات الأجنبية".

تضيف بلعة أن "عودة النشاط إلى عجلة الاقتصاد السوري واستعادة دوره في التجارة الدولية من بوابات شرعية مقبولة من المجتمع المالي الدولي من شأنها تحفيز المناخ الاستثماري وتعزز مشاعر الثقة"، وتؤكد أن الخطوة تساهم في "تحويل عمليات اقتصاد الظل إلى اقتصاد شرعي"، وتدعم جهود مكافحة غسل الأموال، مما يُعزز الموقع المالي لسوريا تدريجياً.

الثقة والاستثمار: تحديات مستمرة

يشير خضركي إلى أن "استعادة ثقة البنوك المراسلة يتطلب التزامًا واضحًا بالشفافية، الحوكمة، والامتثال للمعايير الدولية". ويرى أن الانطلاق من الصفر قد يكون أسهل من محاولة تصحيح أنظمة متآكلة، ما دامت هناك نية حقيقية لبناء قطاع مصرفي نظيف.

تعتبر عاصي أن "التحديات السياسية ما زالت حجر عثرة أمام اجتذاب الاستثمارات الأجنبية"، مشيرة إلى أن المستثمرين يترددون بسبب احتمال عودة العقوبات بعد انتهاء فترة السماح الحالية. وتقول بصراحة: "المستثمر يبحث عن استقرار تشريعي وتنظيمي، وسهولة في التأسيس والإغلاق واسترداد الأرباح"، مضيفةً أن "الحكومة مطالبة بتقديم ضمانات حقيقية لجذب رأس المال المحلي والدولي".

تختم بلعة بأن "عودة سويفت تعني بداية استقرار سعر صرف الليرة السورية، وجذب الاستثمارات، وتمويل البنية التحتية المتداعية"، لكنها تحذر في الوقت نفسه من التحديات التنظيمية والسياسية التي قد تؤخر هذا التحول، وتدعو إلى عدم المبالغة في التفاؤل قبل تحقيق الشروط الموضوعية للاستقرار.

خطوة أولى غير كافية

في المجمل، تُجمع آراء الخبراء على أن عودة سوريا إلى نظام سويفت تشكل خطوة رمزية ومهمة، لكنها تظل غير كافية ما لم تُرافقها إصلاحات حقيقية وعميقة في القوانين، والمؤسسات، والبنية التقنية. الفرصة متاحة، ولكن النجاح يتطلب أكثر من رغبة: يتطلب التزامًا سياسيًا، وانضباطًا مصرفيًا، وشراكة صادقة مع المجتمع المالي العالمي. كما أنّ العودة إلى النظام المصرفي العالمي، يطرح أسئلة مشروعة حول جدوى وجود شركات الصرافة والحوالات المنتشرة في عموم البلاد، والتي كانت تستخدم من قبل النظام البائد في عمليات غسيل الأموال والاحتيال على القانون؟

مشاركة المقال: