توقع البنك الدولي في تقرير حديث نموًا متواضعًا للاقتصاد السوري بنسبة 1% في عام 2025، وذلك بعد انكماش قدره 1.5% في عام 2024. يرى مراقبون أن هذه الأرقام، على الرغم من تواضعها الظاهري، قد تشير إلى بداية تحول اقتصادي مدفوع بتغيرات سياسية إقليمية وجهود حكومية لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
أشار البنك الدولي إلى أن "تخفيف العقوبات على سوريا يوفر بعض الإمكانات الواعدة"، ولكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن التقدم لا يزال محدودًا بسبب تجميد الأصول وتقييد الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية، مما يؤثر سلبًا على تدفق المساعدات والطاقة والتجارة والاستثمار. كما حذر من "مخاطر كبيرة" تهدد الاقتصاد السوري، وعلى رأسها أزمة السيولة ونقص النقد واضطراب تداول العملة المحلية.
في سياق متصل، صرح محافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية بأن بلاده لن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية، مؤكدًا "عدم وجود أي نية للاقتراض من صندوق النقد أو البنك الدولي". وأشار إلى تحسن سعر صرف الليرة السورية بنحو 30% منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، وأن الحكومة تتجه نحو توحيد سعر الصرف الرسمي مع السوق السوداء خلال الأشهر المقبلة، بهدف إنهاء التشوهات التي أضرت بالاقتصاد السوري.
كما تحدث حصرية عن بدء مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، وجهود لكسر العزلة المصرفية المستمرة منذ عقود، مؤكدًا سعي الحكومة لبناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج والصادرات، بدلًا من الاعتماد على الاستثمارات المؤقتة أو المضاربات المالية عالية المخاطر.
يرى الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور محمد موسى أن تقديرات البنك الدولي لتعافي الاقتصاد السوري "لا تأتي من فراغ"، بل ترتبط بتغيرات سياسية ودبلوماسية ملموسة. ويشير موسى إلى أن "الانفراج السياسي الذي بدأ مع لقاء ترامب الشرع برعاية ولي العهد السعودي، والجهود التركية والخليجية التي دفعت نحو تخفيف العقوبات، أسهمت في خلق مناخ اقتصادي أكثر تفاؤلًا"، على الرغم من استمرار بعض القيود.
ويضيف موسى أن الحراك الدبلوماسي السوري الخليجي يتخذ طابعًا اقتصاديًا متزايدًا، مشيرًا إلى زيارة وزيرة الخارجية البريطانية التي حملت دعمًا ماليًا مباشرًا، ومشاريع طاقة ضخمة تصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار، تشمل إنشاء محطات تغويز ومشاريع طاقة شمسية بطاقة تتجاوز 5,000 ميغاواط.
كما لفت إلى مساهمة البنك الدولي، على الرغم من رمزيتها، من خلال تمويل بقيمة 146 مليون دولار، معتبرًا أن هذا التمويل يشكل "رافداً معنوياً ومادياً" يعزز فرص النمو، ويفتح الباب أمام المزيد من التمويل الخارجي في حال تحسن الظروف السياسية والأمنية.
يذكر موسى أن الحكومة السورية بدأت بالفعل إجراءات إصلاحية مهمة، مثل تحرير سعر الصرف، وتطوير النظام المصرفي، وتحفيز بيئة الاستثمار من خلال قوانين جديدة تحظى باهتمام المستثمرين الخليجيين، لا سيما من السعودية. ولفت إلى إمكان استفادة الاقتصاد من عودة الجاليات السورية المنتشرة في الخارج، المحملة بالخبرات والتمويلات التي قد تسهم في إطلاق مشاريع استثمارية محلية.
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، يحذر موسى من تجاهل التحديات الكبرى التي ما زالت قائمة، وعلى رأسها ملف الاستقرار الأمني، ومعضلة صوغ دستور توافقي يُرضي جميع المكونات السورية. ويرى أن مشاكل السيولة والتمويل تحتاج إلى شراكات حقيقية مع مؤسسات دولية ومانحين، إلى جانب ضرورة إعادة إعمار البنية التحتية المتهالكة التي دمرتها الحرب، في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، والمياه، والنقل، والطاقة.
ويشدد موسى على أن التعافي الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بصورة مستدامة من دون إصلاحات سياسية حقيقية، تشمل إصلاح المنظومة الانتخابية، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد بشكل جذري، لأن "لا استثمار بلا استقرار"، على حد تعبيره.
ويختتم بالقول إن الأرقام التي يتحدث عنها البنك الدولي "واقعية ومبنية على مؤشرات فعلية"، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الدولة السورية على تجاوز العقبات السياسية والأمنية والاقتصادية، وتطوير التشريعات اللازمة لضمان استمرارية هذا النمو، وعدم تحوّله إلى طفرة موقتة لا تلبث أن تتلاشى.
باولا عطية - النهار