الثلاثاء, 3 يونيو 2025 01:47 PM

سوريا على مفترق طرق: هل تتكرر مأساة الاستبداد؟

سوريا على مفترق طرق: هل تتكرر مأساة الاستبداد؟

غزوان قرنفل: لقد اختبر السوريون الموت بالفعل، ونجا قلة منهم فقط، أولئك الذين توفاهم الله فكان موتهم بمثابة خلاص من حياة أشبه بالموت على مدى عقد ونصف. الحقيقة أن السوريين يعيشون موتًا بطيئًا منذ أكثر من نصف قرن، وحياتهم محنطة، كئيبة، رتيبة، تفوح من بيوتهم رائحة العفن، وكأن نوافذها لم تفتح للتهوية أو لدخول خيوط الشمس إلى غرفهم الباردة والخالية من المشاعر. لقد تحنطت العواطف في قلوبهم، وأصبحوا يجددون العيش والأجيال بقوة الغريزة فقط.

هل يفعل الاستبداد كل هذا؟ بل يفعل أكثر، طالما أنه يدجن الإنسان ويكسر كرامته، ويحوله إلى مجرد عضو في قطيع بشري يقاد نحو الموت دون أدنى مقاومة. في لحظة فارقة من التاريخ، استيقظ السوريون من سباتهم الطويل، وأدركوا أن الحياة شيء آخر غير ما يعيشونه، وأنهم بشر لهم حقوق كبقية البشر، وأن الحياة تستحق التضحية مهما كلف الأمر، وقد فعلوا.

لقد دفع السوريون ثمنًا باهظًا من أرواح أبنائهم وتشردهم للخروج من قبرهم الكبير إلى رحاب الدنيا، ودفن كل أشكال الطغيان والاستبداد إلى الأبد. من المهم أن نستعيد دائمًا مرارة تلك المعاناة والأثمان المؤلمة التي دفعناها للتحرر من الذل والمهانة، لنحصن عقولنا وعزائمنا ضد تكرار أي نموذج للاستبداد، ونتطلع إلى بلد ومجتمع جديدين يرفضان الاستبداد رفضًا قاطعًا.

واقعة الاعتداء على قاضٍ في حلب واعتقاله وتعذيبه، والاكتفاء بتوقيف الفاعل لبضع ساعات ثم إطلاق سراحه، والضغط على القاضي للتنازل عن حقه، لا يجب الاستهانة بها. إنها فعل تأسيسي لطغيان جديد، واعتداء على هيبة القضاء والدولة، وانتهاك لسيادة القانون. إن التجرؤ على إهانة القضاء يتيح لأي شخص قوي أن يستبيح كل شيء.

هذه الواقعة تظهر تغول سلطة القوة على سلطة القانون، وانتصار سلوك الدولة البوليسية. يجب على السلطة والمجتمع إدراك خطورة الانزلاق إلى هذا الوضع مجددًا. سوريا والسوريون لا يملكون اليوم ترف التجريب مرة أخرى، ولا ترف التفرد وإعادة إنتاج السلطة المركزية التي تتدخل في كل شيء. لقد بلغ السوريون سن الرشد، وعليهم أن يتعلموا كيف يديرون شؤون حياتهم بأنفسهم، ضمن إطار دستوري لا يقصي أو يتجاهل قرار المركز في إدارة شؤون الدولة الكبرى.

سيخطئون وينجحون ويفشلون، وهذا طبيعي، لكنها البداية الصحيحة للتعافي. لقد انتهى الزمن الذي تحتكر فيه السلطة المركزية القرار والثروة والسلطة، وتنحي المجتمع جانبًا. أي سلوك يؤدي إلى إقصاء المجتمع سيؤدي إلى سلطة استبدادية جديدة.

لدى السوريين اليوم فرصة ذهبية للحياة والعمران مجددًا، وللخروج من الاستبداد والإمساك بناصية التطور، ولا ينقصنا إلا الطمأنينة والشراكة بدلًا من التصادم والتهميش. ما نحتاجه هو الإقرار بالحقوق والحريات واحترامها، والإفراج عن حق المجتمع في ممارسة السياسة ومراقبة الحكومة.

ما نحتاجه هو حوار حقيقي بين السوريين ترعاه السلطة، تتلمس فيه هواجس الناس ومخاوفهم ورؤاهم بشأن سوريا جديدة. يجب أن ندرك أن المليارات التي تنتظر سوريا للاستثمار تحتاج إلى بيئة آمنة توفرها الطمأنينة الأمنية والقانونية والشفافية والشراكة الوطنية.

ما يحصل حتى الآن لا يشير إلى إدراك أن هذه الفرصة الذهبية لا تتكرر. ليس من الحكمة تفويتها لمجرد إغراء السلطة، فالسوريون لا يملكون ترف الخوض في تجربة الموت من جديد.

مشاركة المقال: