الإثنين, 18 أغسطس 2025 03:57 PM

سوريا: كيف يتقاطع الأمن والتنمية لبناء دولة المواطنة؟

سوريا: كيف يتقاطع الأمن والتنمية لبناء دولة المواطنة؟

يُظهر تحليل الواقع السوري الراهن، كما يرى د. سلمان ريا، أن البعدين الاقتصادي والأمني لم يعودا مسارين منفصلين، بل أصبحا خطين متلازمين يؤثر كل منهما في فعالية الآخر. فالتدهور المعيشي، المتمثل في التضخم وضعف القوة الشرائية وانهيار الخدمات العامة، لا يؤثر فقط على حياة الأفراد، بل ينعكس مباشرة على الاستقرار الاجتماعي والأمني.

في المقابل، يعيق غياب البيئة الأمنية المستقرة أي إمكانية لإطلاق مسار تنموي فعال ومستدام.

في الأدبيات السياسية المعاصرة، يُنظر إلى الأمن كمفهوم مركب لا يقتصر على ضبط العنف المباشر، بل يشمل ما يُعرف بـ "الأمن الإنساني"؛ أي تأمين شروط الحياة الكريمة وضمان العدالة الاقتصادية والاجتماعية. ومن هذا المنظور، لا يتحقق الأمن عبر إسكات فئة اجتماعية وإعلاء صوت أخرى، بل عبر تأسيس نظام يشعر فيه جميع المواطنين بأنهم شركاء متساوون في الحقوق والواجبات. فالأمن هو نتاج المساواة، والتنمية شرط لتعزيزه.

تؤكد التجارب المقارنة في المنطقة هذه الجدلية. فقد عانى لبنان خلال العقد الأخير من انهيار اقتصادي حاد رافقته هشاشة سياسية وأمنية، ما أدى إلى فقدان الثقة بالمؤسسات واندفاع المجتمع إلى أنماط تفكك داخلي. أما العراق، فشكل مثالاً على عجز الاقتصاد الريعي، في ظل غياب استقرار أمني، عن تحقيق العدالة الاجتماعية أو الحد من البطالة، وهو ما أسهم في إعادة إنتاج دوائر العنف والانقسام.

في ضوء هذه الأمثلة، تتجلى الحالة السورية كأزمة مركبة لا يمكن اختزالها في بعد اقتصادي أو أمني فقط. فالمواطن السوري اليوم يواجه ضغوط المعيشة من جهة، ويعيش في ظل هشاشة أمنية كامنة من جهة أخرى. ومن ثم، فإن أي مشروع وطني جاد لا بد أن يؤسس لسياسات متزامنة: إصلاح اقتصادي تدريجي يعيد تحريك عجلة الإنتاج ويضمن الحد الأدنى من العدالة التوزيعية، إلى جانب مقاربة أمنية جديدة تعرف الأمن باعتباره حماية للإنسان والمجتمع، لا مجرد ضبط للنظام.

هذا التكامل بين التنمية والأمن يشكل القاعدة الضرورية لبناء دولة المواطنة؛ الدولة التي تتجاوز منطق المحاصصة والتمييز، وتعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. فالمواطنة هنا ليست مفهوماً قانونياً مجرداً، بل هي ركيزة لإعادة الثقة المفقودة، وأداة لإعادة إدماج مختلف الفئات في مشروع وطني جامع.

إن سوريا، وهي تخطو نحو استحقاقات المرحلة المقبلة، تقف أمام خيار تاريخي: إما الاستمرار في دوامة الأزمات المتجددة، أو الشروع في مسار مزدوج يربط بين التنمية والأمن، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد قوامه المواطنة المتساوية. إن اختيار المسار الثاني ليس ترفاً فكرياً، بل شرط وجودي لاستعادة الدولة والمجتمع معاً.

مشاركة المقال: