الأربعاء, 14 مايو 2025 04:44 AM

سوريا ليست أفغانستان: لماذا تتلاشى مخاوف النموذج الأفغاني رغم كل شيء؟

سوريا ليست أفغانستان: لماذا تتلاشى مخاوف النموذج الأفغاني رغم كل شيء؟

منذ وصول "هيئة تحرير الشام" وفصائل إسلامية إلى دمشق ونجاحها في إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، لجأ عدد من المعارضين السوريين وغير السوريين ذوي الخلفية اليسارية، وخاصة من بعض أبناء الأقليات إلى ربط وتشبيه ما يجري في سوريا وما ينتظرها بمصير أفغانستان تحت حكم طالبان. هذا الخطاب تنامى بشكل لافت خلال الأشهر الخمسة الماضية، وخاصة بعد ممارسات وحوادث عكست تدخّلاً لجمهور مؤيد للرئيس أحمد الشرع في الحياة الشخصية والخاصة لبعض السوريين، ورغم أن هذه الممارسات لاتزال محصورة في نطاق ضيّق، إلا أنها دفعت بعض المعارضين لإبداء نوع من القلق على مستقبل سوريا تحت حكم إدارة جديدة ذات أصول دينية متشددة، ودفعت بعضهم الآخر للتعبير عن مخاوف من تكرار النموذج الأفغاني في سوريا.

غير أن هذه المخاوف وهذا التشبيه، رغم تعبيره عن هواجس واقعية عند بعضهم، يغفل عن الفروقات العميقة بين المجتمعين السوري والأفغاني، ويقع في فخ الإسقاط السطحي للتجارب، فسوريا، خلافًا لأفغانستان، تضم مجتمعاً مدنياً متجذراً، وبنية اجتماعية وثقافية متنوعة ومعقدة، لا يمكن اختزالها في نموذج حكم ديني مغلق على غرار طالبان. بصراحة، وفي قلب هذا المجتمع المتنوع والغني، يعلم الجميع أن الطائفة السنيّة التي تشكل الغالبية السكانية، لعبت دوراً تاريخياً محورياً في بناء الهوية السورية المعاصرة، وخاصة أبناء المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص، فمن رحم هذه المدن، برز مفكرون نهضويون وحداثيون، كان لهم دورٌ حاسمٌ في تحديث الفكر العربي ومقاومة الاستبداد، مثل عبد الرحمن الكواكبي وأبو خليل القباني وصادق جلال العظم ونزار قباني وغيرهم، وهذا غيض من فيض.

من هنا، فإن تشبيه سوريا اليوم بأفغانستان لا يعكس الواقع السوري بقدر ما يعبر عن مخاوف وهواجس بعض النخب، وإذا كانت تجربة "هيئة تحرير الشام" سابقاً، تثير قلقاً مشروعاً، فإن الرد على ذلك لا يكون بتعميم الخوف من الأكثرية والمستقبل، بل بالبحث عن مشروع وطني جامع يعترف بمساهمات كل مكونات المجتمع، ويؤسس لدولة مدنية تُبنى على المواطنة، لا على الانقسامات والهواجس، فمثل هذه التشبيهات تُعزّز مناخ الهلع الطائفي، وتدفع باتجاه المزيد من الاستقطاب والارتياب المتبادل. إن هذا التخوّف من "نموذج أفغانستان" في سوريا، رغم التغيرات المعلنة في خطاب الرئيس الشرع، ربما يعود إلى عدة أسباب متداخلة، بعضها سياسي، وبعضها نفسي أو طائفي، وبعضها ناتج عن فقدان الثقة المتجذر في سنوات الصراع الطويلة.

ورغم إعلان الرئيس الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً)، فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وتبنيه خطاباً وطنياً، فإن ذاكرة بعضهم مازالت مشبعة بتجارب على الأرض عن فرض نمط حكم متشدد في بعض المناطق، ويمكن القول هنا: إن هذه التجارب تركت مخاوف وأثراً سلبياً عميقاً لا يمكن تبديده إلا مع الوقت. كذلك يجب ألا ننسى أن النظام السوري السابق وحلفاءه، روّجوا لسنوات طويلة لفكرة أن البديل عنه هو "الإرهاب السنّي"، واستخدموا صوراً من أفغانستان والعراق لتخويف الداخل والخارج، وقد نجح هذا الخطاب في التأثير على الكثيرين ليس في سوريا بل في خارجها أيضاً.

خلاصة القول: إنه حتى لو بدت نيات الرئيس الشرع في بناء دولة تكون لكل مواطنيها من دون تمييز، حتى إن بدت نياته صادقة، فإن الخوف من المستقبل ينبع من ماضٍ وتاريخ طويل من عدم الثقة بين بعض الأقليات والغالبية السنية، وقبل كل ذلك تجربة حرب دموية طويلة وسمت الطوائف وصنفتهم تبعاً لمقتضيات البروباغاندا، ولن تنتهي الحرب بين السوريين إلا بانتهاء وزوال اللغة والمصطلحات التي أفرزتها، ومنها "الفزاعة الأفغانية". شعبان عبود

مشاركة المقال: