في عصر تمحو فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي الحدود بين الإبداع البشري والآلي، تجد صناعة الموسيقى نفسها عند مفترق طرق، مع تسابق شركات التسجيلات الكبرى ومنصات البث والفنانين لمواجهة انتشار الموسيقى المنتجة بالذكاء الاصطناعي التي يمكنها محاكاة أصوات وأساليب الفنانين بدقة مذهلة. المعطيات تكشف عن مشكلة هائلة الأبعاد قد تغيّر قطاع الموسيقى كما نعرفه إلى الأبد.
تقنية Deepfake
تعمل تقنية «الديب فيك » Deepfake في قطاع الموسيقى عن طريق تحليل تسجيلات الفنان، لتعلم أنماط صوته ونبراته وخصائصه الأسلوبية، بحيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي بعد ذلك إنتاج أعمالٍ جديدة تشبه بدقة ملفتة أعمال الفنان الأصلي وهو يؤدي أغنيات لم يسجلها أبداً.
عام 2023، حققت أغنية Heart on My Sleeve، وهي عبارة عن تعاون مزيّف بين الفنانين Drake وThe Weekend تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي، أكثر من 15 مليون مشاهدة عبر منصات مختلفة قبل إزالته.
الصادم، أن العمل رشّح للنظر فيه من قبل مسابقة «غرامي»، التي تعد واحدة من أبرز جوائز الموسيقى العالميّة. واعتبر حينها الرئيس التنفيذي لأكاديمية التسجيل هارفي ماسون جونيور أنّ العمل «مؤهل تماماً لأن من كتبه إنسان ». ووفقاً له «يمكن تقديم المواد التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، ولكن الجزء البشري من المقطوعة الموسيقية، أو الأداء، هو الجزء الوحيد الذي يمكن منحه أو اعتباره مرشحاً لجائزة غرامي ».
بين التسجيل الحقيقي وتسجيل الـ AI
يشرح مارك موليغان، المدير الإداري في MIDiA Research، وهي شركة رائدة في تحليل صناعة الموسيقى أنّ «التكنولوجيا تطورت إلى درجة بات فيها من الصعب على المستمع العادي التمييز بين التسجيل الحقيقي والتسجيل المنتج بالذكاء الاصطناعي. لقد تجاوزنا مرحلة الابتكار إلى شيء يطرح أسئلة تجارية وأخلاقية مشروعة ».
ولعل الأخطر هو النمو الكبير في تقنية «استنساخ الصوت »، حيث تنشط شركات في توفير نماذج ذكاء اصطناعي لأصوات الفنانين مقابل رسوم اشتراك، ويقدّر أن يصل سوق هذه التقنية في قطاع الموسيقى إلى حوالى 8 مليارات دولار بحلول عام 2030.
دعاوى قضائية
حاولت شركات صناعة الموسيقى مواجهة الهجمة والحد من آثاراها وضبطها، واتخذت العديد من الشركات مثل «يونيفيرسال ميوزيك غروب» و «سوني ميوزك» و «وورنر ميوزك غروب» إجراءات قانونية ضد شركات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم تسجيلات محمية بحقوق النشر من دون إذن لتدريب نماذجها. وفي قضية بارزة، رفعت «يونيفيرسال ميوزيك غروب» و«كونكورد ميوزك غروب» و«ABKCO» في عام 2023 دعوى ضد شركة Anthropic المتخصصة في توليد الموسيقى بالذكاء الاصطناعي، مطالبين بتعويض قدره 75 مليون دولار، ومدعين أنّ الشركة نسخت ووزعت كلمات أكثر من 500 أغنية لفنانين مشهورين من دون إذن.
في شهر آذار (مارس) المنصرم، صدر حكم قضائي لصالح شركة Anthropic، مما دفع بشركات الموسيقى إلى رفع دعوى جديدة ضدها. مسار يؤشر إلى حجم المواجهة والصراع القائم.
حذف الأعمال المنتجة بالـ AI
من جهتها، التزمت منصات البث الرئيسية مثل Spotify و YouTube بتطوير أدوات تمكنها من اكتشاف المحتوى المنتج بالذكاء الاصطناعي. وبموجب إرشادات أصدرها موقع يوتيوب، بات بإمكان شركات التسجيلات أن تطلب إزالة الأغاني التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لأصوات الفنانين. كذلك، سحبت Spotify عام 2023، حوالي 7% من الأغاني عن موقعها، ويقدر عددها بعشرات الآلاف من الأغاني، وقد تم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي. وبحسب منصة Deezer الفرنسية، فإنه «يتم تحميل حوالي 10000 أغنية تم إنشاؤها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي على المنصة يومياً».
سمحت المغنية الكندية Grimes باستخدام صوتها لتوليد أغنيات بواسطة الذكاء الاصطناعي سمحت المغنية الكندية Grimes باستخدام صوتها لتوليد أغنيات بواسطة الذكاء الاصطناعي
مستقبل الإبداع البشري
يثير ظهور منصات الموسيقى المخصصة للذكاء الاصطناعي أسئلة عميقة حول مستقبل الإبداع البشري في الموسيقى. هل يمكننا أن نرى موسيقيين يعتمدون بالكامل على الذكاء الاصطناعي ويحققون نجاحاً جماهيرياً في السنوات المقبلة؟
تشير الأرقام إلى أنّ هذا السيناريو لم يعد بعيداً من التحقق، إذ أفادت Suno، وهي منصة رائدة في إنتاج الموسيقى بالذكاء الاصطناعي تأسست عام 2013، أنه في أقل من عام ونصف العام على إنشائها، استخدم منصتها أكثر من 12 مليون مستخدم. وبحسب تقرير IMS Business Report 20225، فقد استخدم 60 مليون شخص منصات ذكاء اصطناعي لصناعة محتوى موسيقي عام 2024.
خطر على مستقبل الـ Dj
في هذا السياق، تبرز مخاطر جدية على وظيفة منسّقي الموسيقى DJ، إذ تكشف العديد من الدراسات وإن بتفاوت بالنسب، أنّ العديد من منسقي الموسيقى باتوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي في صناعة محتواهم، فيما يتخوّف كثيرون من فقدانهم وظائفهم بعد سنوات بسبب الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل المخاوف من قدرة الأطر القانونية على ضبط التفلت الحاصل، فضّل بعض الفنانين ركوب الموجة والافادة منها قدر المستطاع. هكذا، سمحت المغنية الكندية غرايمز Grimes باستخدام صوتها لتوليد أغنيات بواسطة الذكاء الاصطناعي شرط أن تحصل على نصف العائدات التي تحققها هذه الأعمال الجديدة.