سوار حمو – عفرين
منذ سبع سنوات من سيطرة تركيا وفصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين، شمالي سوريا، ما يزال هناك عدد كبير من المدارس خارج الخدمة التعليمية بعد استخدامها مراكز أمنية من قبل الشرطة العسكرية والمخابرات التابعة للجيش التركي في مدينة عفرين. وفي 18 آذار/ مارس 2018، سيطرت تركيا رفقة فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين، إثر عملية عسكرية استمرت 58 يوماً، انتهت بسيطرة تركيا وتهجير مئات الآلاف من سكانها الكرد الأصليين.
تركيا ترفض الإخلاء
منذ الأيام الأولى لسيطرة تركيا على عفرين، اتخذت من مدرسة “فيصل قدور” الواقعة بالجهة الغربية من المدينة مركزاً لقوات الكوماندوس التركي حيث اتخذه الجيش التركي مركزاً لتدريب وتخريج الدورات العسكرية، وفي قرية “خرابي شران” بناحية شران تم تحويل ثانوية القرية لمركز للشرطة المدنية والكوماندوس التركي. ويقول حسن إسماعيل، أحد المعلمين الذين كانوا يدرسون في مدرسة فيصل قدور، إن “هذه المدرسة كانت تعلم أكثر من ألف طالب بمشاركة 25 معلم وإداري”، مضيفاً أنه “بعد 2018 تحولت المدرسة إلى مركز للكوماندوس التركي حيث حُرِم الأطفال من التعليم بتلك المدرسة وأصبح غالبيتهم يذهبون لمدارس بعيدة وبعضهم لا يستطيع الذهاب بسبب الحالة الأمنية السيئة خلال الأعوام الماضية”. ويشير “إسماعيل” إلى أنه على الرغم من النقص الكبير بالمدارس، يرفض الجيش التركي إخلاء المدرسة وتسليمها لمديرية التعليم في الحكومة الجديدة، بالإضافة لمدرسة “أزهار عفرين” الخاصة التي أصبحت منذ عام 2018 مركزاً للشرطة المدنية والمخابرات التابعة لتركيا حيث تم إغلاق كافة الشوارع و الطرقات المحيطة بها بالجدران الإسمنتية التي حولت المنطقة برمتها لنقطة أمنية يمنع الدخول إليها والتجول بها.
كما تم تحويل ثانوية التجارة الواقعة بحي شارع الفيلات لمقر عسكري تابع لفصيل جيش الشرقية الموالي لتركيا، وتحولت المدرسة بعد 2020 إلى مقر للشرطة العسكرية الذي يحوي سجن يتم اعتقال أهالي عفرين بداخله. وهو ما أكده الأستاذ حسن معمو الذي كان معلماً في ثانوية التجارة حيث يقول: “كانت الثانوية تستوعب الطلاب الراغبين بالدخول لمدرسة التجارة والذين يتعلمون أسس المحاسبة والإدارة والتي تؤهلهم للتعلم في المعاهد التجارية”. ويضيف أنه “حرم الطلاب من متابعة تعليمهم بعد تحويلها لمقرات عسكرية وأمنية بالإضافة لمدرسة الصناعة والزراعية التي حرمت آلاف الطلاب والطالبات من التعلم، ومنذ نحو شهرين، أنشئ ضمن المقر مكتب تابع للأمن العام الذي دخل مدينة عفرين بالآونة الأخيرة، ويشير “معمو” إلى أنه تحولت أيضاً مدرسة للثانوية الزراعية مركزاً للمجلس المحلي التابع لتركيا بعد 2019 والذي تم إخلاؤه منذ ستة أشهر من قبل موظفي المجلس المحلي، فيما لا تزال المدرسة خارج المنظومة التعليمية بسبب رفض رئيس المجلس المحلي إعادة تسليمه لمديرية التعليم بحجة أنه ما يزال بعهدة المجلس المحلي، بحسب “معمو”.
بينما يشير الأستاذ شيار محمد، وهو أحد المعلمين السابقين بالثانوية إلى أن الثانوية كانت تستوعب نحو 400 طالب وطالبة وخلال مرحلة الإدارة الذاتية في عفرين تحولت تلك الثانوية لجامعة”. ويضيف أنه “بعد سيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية له تحولت لمقر للمجلس المحلي التابع لتركيا بحجة أنه لا يوجد مبنى بديل حيث حرم الطلاب من التعلم ولا توجد ثانوية بديلة ولم يستطع الطلاب حتى إكمال تعليمهم باختصاصهم”.
مراكز لتعليم اللغة التركية
على صعيد آخر، قالت مصادر محلية في عفرين لنورث برس، إن “فصيل أحرار الشرقية قام باتخاذ المركز الثقافي الوحيد في منطقة عفرين مقراً عسكرياً بعد نهب محتويات المركز”. وأضافت أنه يعتبر المركز الثقافي الوحيد في منطقة عفرين والذي تحول بعد 2021 فرعاً لجامعة غازي عنتاب التركية ويتبع بشكل مباشر لإدارة الجامعة بغازي عنتاب التركية. وبحسب المصادر ذاتها، تم تحويل مبنيين من مدرسة الصناعة الواقعة بحي المحمودية في مدينة عفرين إلى مركز ثقافي تركي تحت مسمى معهد “يونس إمره” الذي أصبح مركزاً رئيسياً لتعليم اللغة والثقافة التركية في عفرين حيث أصبح يخضع للإدارة التركية بشكل كامل بعد ربطه بإدارة معاهد “يونس إمره” التركية التي تهتم باللغة والثقافة التركية.
وأواخر عام 2023، افتتح معهد “يونس إمره” الثقافي التركي، فرعه الجديد لتعليم اللغة التركية في مدينة عفرين بريف حلب، وهو الفرع الثاني بالمدينة، وذلك في إطار حملة لها تستهدف تعليم الأطفال والسكان في مناطق تسيطر عليها أنقرة مع فصائل الجيش الوطني الموالي له بشمالي سوريا، ودمجهم بالثقافة التركية.
وقالت مصادر بمديرية التعليم في عفرين لنورث برس، إنهم يطالبون منذ سنوات الوالي التركي في مدينة عفرين بإعادة المدارس للمنظومة التعليمية كون المنطقة تعاني نقص كبير بالمدارس والمراكز التعليمية. وأضافت: “رفض الوالي مناقشة الأمر بحجة أن هذه الأمور خاضعة لإدارة المخابرات التركية حيث برر ذلك بوجود توترات وإجراءات أمنية تقدرها قيادة الجيش والمخابرات التركية وأن موضوع المدارس يحتاج لوقت طويل لمناقشة موضوعها كونها تستخدم لمراكز أمنية وشرطية”.
ويخشى الأهالي إرسال أطفالهم للمدارس البعيدة خشية الاشتباكات بين الفصائل أو الخطف وعلى الرغم من الهدوء الأمني النسبي ما يزال أهالي المنطقة يتساءلون إلى متى ستبقى هذه المدراس خارج الخدمة التعليمية و تبقى مراكز عسكرية وأمنية؟. فيما يرى سكان بعفرين أن خروج هذه المدارس عن مهمتها التعليمية لسنوات طويلة ساهمت بشكل كبير بانتشار الأمية كما أدى تحويل المدارس الزراعية والتجارية والصناعية لمراكز أمنية أو مراكز للغة التركية لافتقار عفرين لهذا النمط من التعليم الذي يرفد سوق العمل بهذه الاختصاصات التي باتت تفتقرها عفرين خلال الأعوام السابقة.
وتحدثت العديد من التقارير الصحفية عن مواصلة تركيا لسياساتها “الممنهجة” في تتريك تلك المناطق، عبر فرض لغتها لتكون مادة أساسية في المدارس والجامعات. كما وعمدت تركيا إلى تغيير السجل المدني للسكان الأصليين في مدن الباب وعفرين وجرابلس وأعزاز وأخترين ومارع وسري كانيه/ رأس العين وتل أبيض، إضافة إلى تغيير أسماء الأحياء فيها وفرض التعامل الليرة التركية.