الثلاثاء, 2 سبتمبر 2025 09:33 PM

عودة البسطات العشوائية في دمشق: صراع مستمر وحلول تنظيمية غائبة

عودة البسطات العشوائية في دمشق: صراع مستمر وحلول تنظيمية غائبة

نورمان العباس ـ دمشق

لم تكد تمضي أسابيع قليلة على انتهاء حملة محافظة دمشق لإزالة البسطات العشوائية من مناطق حيوية كجسر الحرية والبرامكة وجسر الثورة، حتى عادت هذه البسطات لتنتشر مجدداً. المشهد اليومي يعكس إصرار أصحابها على الاستمرار في عملهم، في مواجهة إصرار دوريات البلدية على إزالتها، مما أدى إلى ما يشبه "حرب استنزاف" بين الطرفين. هذه العودة المتكررة تظهر بوضوح عدم جدوى الحملات المؤقتة، وتسلط الضوء على الحاجة إلى حلول تنظيمية مستدامة تراعي مصالح جميع الأطراف: المواطنين الذين يسعون لكسب رزقهم، والجهات المسؤولة عن تنظيم المرافق العامة والحفاظ على المظهر الحضاري للمدينة.

معاناة ورغبة في الاستقرار

من منطقة البرامكة، يتحدث أصحاب البسطات عن معاناتهم اليومية مع الملاحقات والخوف المستمر. علاء محمد، وهو صاحب بسطة، يقترح في حديث لنورث برس حلاً عملياً يتمثل في تأجير الدولة لأماكن مخصصة لهم، مؤكداً أن هذا التنظيم سيكون "أفضل من البقاء في حالة هروب دائم من دوريات البلدية".

أما عبد الله الشطا، فيركز على الجانب الإنساني للمشكلة، ويقول لنورث برس: "أنا أحاول فقط تأمين مصاريف عائلتي، لكن الأماكن التي تريد البلدية تخصيصها لنا بعيدة ونائية، ولا يقصدها أحد للشراء". كما يعبر الشطا عن استيائه من المخالفات المالية الكبيرة التي تُفرض عليهم، والتي يعتبرها تستنزف ما تبقى من دخله المحدود.

دعوات لتنظيم لا إقصاء

من جانبه، يؤكد ماهر الأزعط، عضو جمعية حماية المستهلك، في تصريح لنورث برس، أن المشكلة أعمق من مجرد إشغال الأرصفة، فهي مرتبطة بشكل مباشر بالبطالة ونقص فرص العمل. ويرى أن "تشريد هؤلاء ليس حلاً"، داعياً إلى إنشاء أسواق شعبية منظمة بأسعار معقولة تستوعب هذه الفئة، وتخفف من الفوضى في الشوارع. ويشير إلى أن المحافظة وعدت مراراً بتوفير أماكن خاصة لهم، لكن هذه الوعود لم تتحقق.

أما عبد الرزاق حبزة، أمين سر الجمعية، فيضع القضية في سياق اقتصادي أوسع، معتبراً أن البسطات غير المرخصة تمثل "اقتصاد ظل" لا تستفيد منه الدولة، وينطوي على مخاطر تتعلق بغياب الرقابة الصحية، وتجاهل قوانين التسعير، والعشوائية التي قد تؤثر سلباً على السوق النظامية. كما أشار إلى أن حكومات سابقة طرحت مشاريع لتنظيم هذه الظاهرة، لكنها لم تكتمل أو تُنفذ بشكل فعلي.

وعلى صعيد المقارنة، يقترح رامي العواد، وهو سوري عاد من تركيا، نموذجاً مختلفاً، مشيراً لنورث برس إلى التجربة التركية التي اعتمدت أكشاكاً منظمة تابعة للبلديات، بحيث يستفيد البائع والمدينة على حد سواء. ويصف المشهد الحالي في دمشق بأنه "فوضوي وغير حضاري"، مؤكداً أن التنظيم لا يعني بالضرورة القضاء على هذه المهن، بل تحويلها إلى مورد منظم يعود بالنفع على الجميع.

في المقابل، يرى عدنان حنا البهو، وهو مدرس متقاعد، أن القضية ليست وليدة اليوم، بل "تجاوزت عمرها 25 عاماً ولم تستطع الحكومات المتعاقبة حلها". ويصف في حديث لنورث برس العلاقة بين البلدية وأصحاب البسطات بعلاقة "القط والفأر"، حيث يسعى كل طرف لفرض وجوده على حساب الآخر. ويقترح أن تقوم الدولة بتخصيص مساحات مناسبة وتحويلها إلى أسواق منظمة، مؤكداً وجود أراضٍ يمكن استثمارها في مثل هذه المشاريع.

وتتفق الآراء المختلفة على أن إزالة البسطات دون توفير بديل منظم ليس سوى حل مؤقت يعيد إنتاج المشكلة من جديد. وبينما يتحدث أصحاب البسطات عن معاناة يومية تهدد مصدر رزقهم الوحيد، تحذر الجهات المختصة من مخاطر اقتصادية وصحية وقانونية مرتبطة بالفوضى الحالية.

تحرير : معاذ الحمد

مشاركة المقال: