الأحد, 22 يونيو 2025 02:19 PM

عودة متسارعة للمجتمع المدني في سوريا: شراكة مع الحكومة وتحديات تواجه منظمات المجتمع المدني

عودة متسارعة للمجتمع المدني في سوريا: شراكة مع الحكومة وتحديات تواجه منظمات المجتمع المدني

عنب بلدي – عمر علاء الدين – يشهد نشاط المجتمع المدني في سوريا عودة متسارعة بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024، حيث تغطي هذه النشاطات كافة جوانب الحياة السورية من سياسة واقتصاد وقضايا مجتمعية، وتتنوع بين الحريات والعدالة وتمكين المرأة.

ترحب الحكومة السورية بعودة نشاط منظمات المجتمع المدني، وتعتبرها جزءًا مهمًا من عملية التنمية والتطوير في البلاد، وتعزيز الخدمات العامة ودعم المجتمع، بحسب ما قالته مديرة المنظمات غير الحكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، رولا الأغبر، لعنب بلدي.

وتتطلع الحكومة، بحسب الأغبر، إلى أن تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا تكامليًا مع الجهات الحكومية، و"ننتظر منها تقديم الدعم في مجالات الخدمات الحيوية مثل الصحة والتعليم، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة".

شراكة وتوازن

تدير وزارة الشؤون الاجتماعية ملف منظمات المجتمع المدني بـ"توازن"، حيث تعمل على بناء علاقات شراكة مع هذه المنظمات لضمان تحقيق الأهداف المشتركة، مع مراعاة القوانين والأنظمة المعمول بها.

وبلغ عدد المنظمات غير الحكومية في جميع المحافظات السورية 2443 منظمة، بحسب ما قالته رولا الأغبر، مديرة المنظمات غير الحكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لعنب بلدي.

ومنذ سقوط النظام، تقدمت العديد من منظمات المجتمع المدني بطلبات للترخيص، وتم إشهار 651 منظمة غير حكومية من بداية العام وحتى تاريخه، وجرى في المرحلة الأولى التعامل مع جميع الطلبات بمرونة وتبسيط للإجراءات.

وأضافت أن تواتر عدد المنظمات غير الحكومية وطلبات ترخيصها يرتبط مع فجوة الاحتياج، فكلما زاد الاحتياج عمقًا واتساعًا زاد عدد طلبات الترخيص.

وتعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على تعزيز بيئة عمل المنظمات غير الحكومية في سوريا، بحسب الأغبر، حيث تهدف (الوزارة) إلى تمكين المنظمات غير الحكومية، وتعزيز أدوارها وتهيئة البيئة المناسبة والفعالة لها لتكون شريكًا حقيقيًا وفاعلًا مع مؤسسات القطاع الحكومي والخاص في مجالات التعافي وإعادة الإعمار والعمل التنموي في سوريا.

وقالت مديرة المنظمات غير الحكومية في الوزارة، "سنسعى إلى إقامة شراكة مثمرة مع المنظمات المدنية تعتمد على المسؤولية والشفافية"، مشيرة إلى أن هدف الوزارة هو خدمة المستفيدين بأعلى مستويات الكفاءة والجودة، خاصة بعد سقوط النظام السابق.

وتعمل الوزارة، بحسب الأغبر، على تحقيق أعلى درجات المرونة في تنظيم عمل القطاع وتوفير التسهيلات الإجرائية.

وتابعت، "نهدف إلى تمكين الجمعيات والمؤسسات الخاصة وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمستفيدين، بما يحقق التكامل والتشاركية مع عمل الوزارة".

وتؤكد الوزارة أهمية احترام حرية عمل المنظمات غير الحكومية بما يتماشى مع القوانين والأنظمة النافذة، بحسب ما قالته مديرة المنظمات غير الحكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية، رولا الأغبر.

عقد اجتماعي ودور مكمل

يؤمن المدير التنفيذي لـ"رابطة الحقوقيين السوريين الأحرار"، سامر الضيعي، أن المرحلة الانتقالية الحالية هي فرصة تاريخية لتعزيز العمل المؤسسي والقانوني في سوريا، مع ملاحظتهم كرابطة وجود انفتاح إيجابي لبعض الجهات الحكومية على الحوار مع منظمات المجتمع المدني بما فيها الحقوقية.

ورغم الإجراءات الشكلية والتسهيلات المؤسسية التي ما زالت قيد التطوير، يشعر الضيعي بوجود "رغبة حقيقية" في التعاون والتكامل لدى بعض الفاعلين الرسميين، مضيفًا، "ندرك أن الانتقال من مرحلة مركزية مغلقة إلى إدارة تشاركية يحتاج إلى وقت وإرادة جماعية".

ويرى الضيعي أن هناك خطوات واعدة لتوسيع مساحة العمل المدني، عبر السماح بندوات وورشات تخصصية، وتسهيل الحوارات المفتوحة مع المجتمع، مشيرًا إلى أن ما يجري اليوم في سوريا يمثل "بداية تشكل جديدة في العلاقة بين الدولة والمجتمع".

وذكر أن إشراك الحراك المدني في القضايا السيادية والسياسية بات مطروحًا للنقاش، والمأمول، بحسب الضيعي، أن يتطور نحو "عقد اجتماعي شامل" يعيد بناء الدولة على أسس المواطنة، مشيرًا إلى أنه فرصة لبناء الثقة وترسيخ استقرار البلاد.

ولم تواجه "رابطة الحقوقيين السوريين" أي مضايقات مباشرة مقصودة أو ممنهجة، بل وجدت تجاوبًا من المجتمع المحلي وعدد من المؤسسات الحكومية والمحلية، بحسب المدير التنفيذي الذي عبر عن تفهمه للإجراءات أو التحديات الأمنية التي تأتي جزءًا من السياق العام للمرحلة الانتقالية التي وصفها بـ"المعقدة".

وأكد حرص الرابطة على احترام القانون والتنسيق المسبق لضمان "أن تكون نشاطاتنا شفافة ومتوافقة مع السياق العام".

وتتطلع الرابطة إلى أن تكون شريكًا فاعلًا في إعادة بناء منظومة العدالة، من خلال:

  • دعم الضحايا وتمكينهم قانونيًا.
  • المساهمة في إصلاح القضاء وتعزيز استقلاله.
  • تقديم الاستشارات القانونية للمؤسسات والأفراد.
  • نشر ثقافة الحقوق الدستورية والقانونية في المجتمع.

الضيعي قال، "نحن متفائلون بحذر، ونرى إمكانية تحقق شيء إيجابي في هذه المرحلة إذا بُنيت على شراكة حقيقية".

ودعا كل الأطراف إلى الالتفاف حول "دستور يحترم الحقوق"، وعدالة لا تقبل الانتقائية، ومجتمع ينهض بـ"قوة القانون لا بسطوة القوة".

من أبرز التحديات التي تواجه العمل المدني بحسب المدير التنفيذي لـ"رابطة الحقوقيين السوريين الأحرار":

  • غياب إطار قانوني موحد ينظم عمل المنظمات المدنية بشكل حديث متطور يلبي متطلبات المرحلة الجديدة والتاريخ الذي عملت فيه تلك المنظمات، وأسهمت "بشكل كبير" بمشروع التغيير في سوريا.
  • التحديات الخدمية التي تعيشها سوريا.
  • الحاجة إلى بناء ثقافة قانونية جديدة تعزز من الثقة بين الدولة والمجتمع.
  • محدودية الموارد المالية والبشرية والتقنية في بعض المناطق.
  • آثار الحرب الطويلة التي خلفت فجوات عميقة في الوعي الحقوقي، وكرست الكثير من الانتهاكات بحق السوريين، والتي لا بد من العمل على رفع آثارها.

دعوة إلى حوار وطني

دعت ملك توما، مديرة ومؤسسة "مبادرة الحق في الكتابة"، وزارات الإدارة المحلية، والثقافة، والشؤون الاجتماعية، والعدل، إلى تنظيم مؤتمر وطني شامل يجمع ممثلين عن المجتمع المدني من مختلف المناطق السورية، بهدف إعادة بناء العلاقة بين الطرفين على أسس تشاركية ومهنية، بحيث تضمن هذه الأسس "تحرير الفضاء العام وضمان حياديتها"، و"ضمان سلامة العاملين والعاملات في الحقل المدني"، و"إشراك المجتمع المدني في صناعة السياسات العامة".

وقالت لعنب بلدي، إن ما نشهده اليوم ليس مجرد عودة للحراك المدني، بل تحول في طبيعته ومساحته. وللمرة الأولى منذ سنوات، يسير هذا الحراك في فضاء سوري لم يعد مقسّمًا كما كان سابقًا إلى أربع مناطق نفوذ مغلقة، مضيفة، "من يعمل اليوم في مدينة حلب يمكنه أيضًا العمل في العاصمة دمشق، ودير الزور، واللاذقية وغيرها".

وترى توما أن قابلية الحركة والتواصل العابرة للمناطق، تعبّر عن لحظة مدنية جديدة في سوريا "أكثر نضجًا".

العمل النسوي في سوريا.. تحديات

هذه اللحظة، كما قالت توما، لا تقوم فقط على الاحتجاج، بل على إعادة بناء الثقة، وإنتاج المبادرات، واستعادة الفضاء العام بطريقة سلمية وتشاركية، معتبرة أنها بداية "واعدة لتحول اجتماعي طويل الأمد، يضع الإنسان في المركز".

ورغم هذا التحول الإيجابي في خارطة الحراك، لا تزال المعوقات قائمة، منها تحديات "التمويل المستقل"، والحاجة إلى "أطر قانونية أكثر وضوحًا"، وتفاوت الاستقرار الأمني من منطقة لأخرى.

لكن التحدي الأعمق، بحسب توما، يكمن في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، بعيدًا عن منطق "الهيمنة أو الارتياب"، أيضًا، لا بد من معالجة ما وصفته بـ"الإرث الثقيل من التسييس والتشكيك"، وتوفير مساحة آمنة للعمل المشترك على جميع المستويات.

بحسب ما قالته مديرة "مبادرة الحق في الكتابة"، وعضو الحركة السياسية السورية النسوية، فإن نشاط منظمات تمكين المرأة في سوريا يشهد "تطورًا متزايدا"، وتسهم في تقديم برامج حيوية تعزز من مشاركة النساء في الحياة العامة.

وترى توما أن "البيئة التي تعمل فيها هذه المنظمات ليست دائمًا مثالية، ولا تزال هناك تحديات إدارية وثقافية وتشريعية".

وترى أنه في ظل التحول السياسي في البلاد، من المهم العمل والتغيير على أساس أن قضايا النساء هي إحدى القضايا المحقة التي تذهب بالدولة السورية إلى شكل الدولة الآمنة والعادلة لنسائها ورجالها على حد سواء.

أي مقاربة جدّية لقضايا النساء يجب أن تراعي التنوع، وتعمل على خلق بيئة تُنصف الجميع وتُتيح الفرص بعدالة.

ملك توما

مديرة "مبادرة الحق في الكتابة"

وتعتبر توما أن على منظمات تمكين المرأة أن تدرك الفرصة لبناء سوريا جديدة من القاعدة إلى القمة، وهذا يتطلب:

  • بناء شراكات واسعة بين المنظمات المحلية.
  • تبنّي خطابات شاملة وغير إقصائية.
  • تطوير أدوات تضمن الاستدامة والمهنية والشفافية.
  • أن تكون حارسة لذاكرة الناس، ومرافعة باسمهم لا بديلًا عنهم.
  • استثمار هذا الانفتاح النسبي في الحركة الجغرافية والمجتمعية لتأسيس مبادرات مشتركة بين المناطق، بما يكرّس مفهوم وحدة الفضاء المدني السوري.
مشاركة المقال: