الأحد, 13 يوليو 2025 01:48 AM

قمة «بريكس» تستفز ترامب بتهديدات الرسوم: هل تفقد واشنطن أدوات السيطرة؟

قمة «بريكس» تستفز ترامب بتهديدات الرسوم: هل تفقد واشنطن أدوات السيطرة؟

لينا بعلبكي:

صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطابه أمام قمة «بريكس» الـ17 في ريو دي جانيرو البرازيلية، بأن "نموذج العولمة الليبرالي الذي صاغه الغرب قد تجاوز نفعه، بينما يتزايد زخم التغيير في النظام الاقتصادي العالمي". وأعلن بوتين، عبر الفيديو، أن الناتج المحلي الإجمالي لدول «بريكس» بلغ 77 تريليون دولار أميركي، متجاوزاً بذلك إجمالي الناتج المحلي لـ«مجموعة السبع» الغربية (57 تريليون دولار أميركي).

فور انتهاء القمة، حذر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر منصته «تروث سوشال»، من أن "أي دولة تصطف مع سياسات مجموعة بريكس المعادية لأميركا سيتم فرض رسوم جمركية إضافية عليها بنسبة 10%"، مؤكداً أنه "لن تكون هناك استثناءات لهذه السياسة". وأضاف ترامب في منشور آخر أنه سيبدأ بإرسال رسائل إلى دول عدة لحثها على التوصل إلى اتفاق تجاري أو القبول برسوم باهظة.

يرى مراقبون أن تهديد ترامب الجديد لدول «بريكس» ليس سياسة اقتصادية مدروسة، بل امتداد لأسلوبه الشعبوي القائم على التصعيد اللفظي والمناورات الإعلامية، أو ما يُسمى بـ«التأثير الرادع». ويبدو أن العقوبات الترامبية المفروضة على دول العالم بدأت تفقد فاعليتها، خاصةً الرسوم الجمركية الأحادية التي فرضها ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض، والتي أبدت دول «بريكس» "قلقها" إزاءها، معتبرةً أنها "تشوه" التجارة العالمية وتتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية.

اضطر ترامب للتراجع عن تهديداته بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها في 2 نيسان الماضي على واردات 185 دولة، بنسبة أساسية قدرها 10%، مع معدلات أعلى لدول معينة كالاتحاد الأوروبي وبعض السلع من كندا والمكسيك. وفي 9 نيسان، أُجل تطبيق هذه الرسوم على معظم الدول لمدة 90 يوماً لإتاحة المجال للمفاوضات، باستثناء الصين التي دخل معها في "هدنة تجارية" في 12 أيار، لمدة 90 يوماً أيضاً، مع تخفيض الرسوم المفروضة على السلع الصينية من 145% إلى 30%. وقبيل البدء في تطبيق التعرفات الجديدة في التاسع من تموز، وقّع ترامب مرسوماً بتأجيل الموعد إلى الأول من آب المقبل.

أثارت تهديدات ترامب حيال دول «بريكس» "موجة جديدة من الاضطرابات" بحسب صحيفة «تلغراف»، التي نبهت إلى أن تنفيذ هذه التهديدات قد تكون له "عواقب عميقة على السياسة التجارية الأميركية ونفوذ الولايات المتحدة العالمي، ولكن ليس في الاتجاه الإيجابي الذي يتصوره ترامب".

توضح الصحيفة أن الرسوم الجديدة على دول «بريكس» وشركائها "لن تُضعف اقتصادَي روسيا وإيران بشكل كبير"، مضيفة أن "تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين يصبّ في مصلحة روسيا، التي يمكنها أن تحل محل الإمدادات الأميركية من النفط والغاز الطبيعي المسال والفحم إلى الصين بسهولة".

تشير الأرقام إلى أن حجم التجارة بين روسيا والصين تجاوز 244.8 مليار دولار، وبين روسيا والهند 70.6 مليار دولار، ما يتيح لموسكو "الاعتماد" على التجارة داخل إطار «بريكس» لـ"سدّ فجوات سلاسل الإمداد". أما بالنسبة إلى إيران، فتقول الصحيفة إن "الرسوم الجديدة سيكون لها تأثير ضئيل في الاقتصاد الإيراني"، بل قد تدفع روسيا والصين إلى تعميق علاقاتهما الاقتصادية مع إيران.

تشير صحيفة «إزفستيا» الروسية، بالاستناد إلى آراء خبراء، إلى أنه "من المتوقع أن يتباطأ نمو اقتصاد البلاد إلى ما بين 1.5 و1.7% خلال عام 2025" نتيجة الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب ضد الدول الداعمة لـ«بريكس». ونظراً إلى أن تأثير العقوبات قائم منذ سنوات، وأن حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة بلغ في عام 2024 نحو 3.5 مليارات دولار فقط، فسيكون "تأثير الرسوم في اقتصاد موسكو محدوداً"، وفقاً لأندريه بتروف، مدير العلاقات مع كبار العملاء في شركة «بي كا إس مير إنفستيتسي».

تركّز السياسة الاقتصادية الروسية على الاستقلالية الإنتاجية وخفض الاعتماد على الاستيراد، أو الاعتماد على الشركاء الشرقيين في التوريد. دعا بوتين إلى خفض نسبة الناتج المحلي الإجمالي المخصّصة للواردات إلى 17% بحلول عام 2030. ويرى خبراء روس أن ارتفاع كلفة السلع الأجنبية يمثّل "فرصةً" لتعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي، في وقت تبدو فيه روسيا قادرة على إعادة توجيه صادراتها نحو آسيا و«بريكس»، وينبئ ارتفاع قيمة عملتها بنسبة 25% بـ"مرونة اقتصادية يمكن البناء عليها".

يعكس تهديد ترامب لـ«بريكس» فشل واشنطن في احتواء صعود المجموعة اقتصادياً وسياسياً، ويكشف عن عجزها المتزايد وذعرها من تآكل أدوات السيطرة التي بنتها منذ نهاية الحرب الباردة. إن قرار ترامب ليس سوى تجلٍ جديد لانهيار نموذج «الأسواق المفتوحة» الذي روّج له الغرب لعقود، بينما أصبحت بلاده مصدرَ تهديد لنمو الأسواق الصاعدة، بل حتى لحلفائها، عبر الاتجاه نحو الانغلاق والابتزاز الاقتصادي.

سرّعت دول «بريكس» مساعيها إلى تقليص الاعتماد على الدولار، وتوسيع اتفاقية الاحتياطي الطارئ (CRA)، وإنشاء شبكات مالية بديلة مثل نظام «SPFS» الروسي و«CIPS» الصيني، بما من شأنه أن يُضعف هيمنة الدولار ونفوذ نظام «SWIFT» الغربي.

هدّد ترامب دول «بريكس» بفرض رسوم جمركية عقابية بنسبة 100% على صادرات أي دولة تسعى إلى إزاحة الدولار الأميركي، قائلاً: "نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لدول البريكس أو دعم عملة أخرى تحل محل الدولار الأميركي القوي".

أخبار سوريا الوطن

مشاركة المقال: