الأربعاء, 24 سبتمبر 2025 06:53 PM

كارثة تعليمية في دير الغربي: مدارس مدمرة تهدد مستقبل الأطفال بعد التحرير

كارثة تعليمية في دير الغربي: مدارس مدمرة تهدد مستقبل الأطفال بعد التحرير

بعد مرور حوالي عشرة أشهر على تحرير قرية دير الغربي، الواقعة جنوب معرة النعمان، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لا تزال مظاهر الحياة تعود ببطء إلى البلدة التي شهدت دماراً هائلاً، حيث طال الضرر أكثر من 70% من منازلها وبنيتها التحتية. ومع عودة ما يزيد على 500 عائلة نازحة، يواجه الأهالي تحدياً جديداً لا يقل صعوبة، وهو غياب بيئة تعليمية مناسبة لأطفالهم.

مدارس شبه مدمرة

تضم دير الغربي ثلاث مدارس ابتدائية ومدرستين إعداديتين للبنات والذكور، بالإضافة إلى مبانٍ كانت تستخدم سابقاً كمدرسة ثانوية. ومع ذلك، يؤكد المدرس مصطفى قسوم لـ"" أن معظم هذه المباني أصبحت غير صالحة للتعليم بسبب القصف المدفعي والصاروخي الذي تعرضت له المنطقة. ويضيف قسوم: "المباني تحتاج إلى إعادة بناء كاملة أو ترميم شامل. بعض الغرف مدمرة بالكامل، بينما تفتقر أخرى إلى الأبواب والنوافذ والسبورات والطاولات. حتى المبنى الجديد المكون من طابقين تعرض لضربات مباشرة ويحتاج إلى إعادة إعمار من الصفر".

بين الجدران المتصدعة والأرضيات المغطاة ببقايا الحجارة والزجاج المكسور، يجلس بعض الأطفال على مقاعد خشبية قديمة، بينما يضطر آخرون للجلوس على الأرض بسبب نقص المقاعد الكافية. السبورة السوداء بالكاد تصلح للكتابة، والأبواب المخلعة تجعل الفصول عرضة للبرد والهواء، مما يجعل الصف الدراسي أشبه بالأطلال منه ببيئة تعليمية.

في المرحلة الابتدائية وحدها، يوجد حوالي 180 طالباً وطالبة موزعين على ثمانية فصول، بينما يضم المستوى الإعدادي حوالي 130 طالباً في ستة فصول. ويشير قسوم إلى أن الحل العاجل يكمن في تجهيز ست غرف على الأقل بالأبواب والنوافذ واللوازم الأساسية، لاستخدامها بنظام الدوامين الصباحي والمسائي، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي سيحرم عشرات الأطفال من حقهم في التعليم هذا العام.

بنية تحتية معدومة

لا تتوقف الصعوبات عند حد المباني المدمرة، إذ يصف الصيدلي علاء العلي، وهو أحد سكان القرية ووالد لعدد من التلاميذ، وضع المدارس بأنه "تحت الصفر". ويوضح في حديثه لـ"": "المقاعد قليلة مقارنة بعدد الطلاب، والسبورات نادرة، ومياه الشرب غير متوفرة، مما دفع إدارة المدرسة إلى صرف الطلاب مبكراً أكثر من مرة. كما أن معظم دورات المياه مدمرة وغير صالحة للاستخدام".

بالإضافة إلى ذلك، يفتقر الطلاب إلى أبسط المستلزمات من دفاتر وأقلام، بينما يعجز معظم الأهالي عن شراء زي مدرسي موحد لأبنائهم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. ويضيف العلي: "لو وُزعت مساعدات بسيطة كالدفاتر والأقلام أو الملابس المدرسية لكان ذلك عوناً كبيراً للأطفال وأسرهم".

غياب رسمي

على الرغم من هذه التحديات، لم تسجل حتى اليوم أي زيارة أو مبادرة رسمية من الجهات المسؤولة لمعاينة واقع التعليم في دير الغربي أو وضع خطط عملية لمعالجة الأزمة، في وقت تعول فيه مئات العائلات العائدة على عودة المدارس لتأمين مستقبل أبنائها، خاصة أن القرى المجاورة مثل تقانا وبسيدا وإرمنايا ووادي سقعة تعتمد إدارياً وخدمياً على دير الغربي، وفق ما أكده أحمد الخطاب من المكتب الإعلامي لـ"سوريا 24".

ما تعانيه دير الغربي ليس حالة فردية، إذ تكشف تقارير منظمات محلية أن عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي والشمالي تعيش ظروفاً مشابهة، حيث تحولت المدارس إلى مبانٍ مدمرة أو مراكز إيواء، بينما يقف آلاف الطلاب أمام خطر التسرب من التعليم. هذا الواقع يضع ملف التعليم في شمال غرب سوريا برمته أمام تحديات عميقة تتجاوز الإمكانات المحلية.

مستقبل غامض

يرى التربويون أن غياب التدخل السريع لترميم المدارس وتأمين مستلزمات التعليم الأساسية سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الأطفال، وزيادة التسرب الدراسي، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستقبل جيل كامل. فالتعليم في مثل هذه المناطق لا يعتبر مجرد خدمة، بل صمام أمان يمنع انجراف الأطفال نحو عمالة مبكرة أو مخاطر التجنيد في الصراعات المسلحة.

مع بداية العام الدراسي الجديد، يقف أطفال دير الغربي بين خيارين أحلاهما مر: إما متابعة تعليمهم في مدارس مدمرة تفتقر لأبسط شروط البيئة الصحية والتعليمية، أو البقاء خارج مقاعد الدراسة بانتظار حلول قد لا تأتي قريباً.

مشاركة المقال: