السبت, 28 يونيو 2025 08:08 PM

كردستان العراق بعد التوتر الإيراني الإسرائيلي: توازن دقيق في العلاقات مع طهران وشراكة اقتصادية مرتقبة

كردستان العراق بعد التوتر الإيراني الإسرائيلي: توازن دقيق في العلاقات مع طهران وشراكة اقتصادية مرتقبة

في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، تتجه أنظار أربيل نحو إقامة علاقات متوازنة مع طهران على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية. لطالما واجه إقليم كردستان العراق ضغوطاً إيرانية متعددة، نظراً لوضعه كـ "الجار الأكثر ضعفاً"، حسب وصف المراقبين.

وقد رحب رئيس الإقليم، نيجرفان بارزاني، بوقف إطلاق النار، مؤكداً عبر منصة "إكس" أن الحوار الشامل والتفاهم المتبادل هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار في الشرق الأوسط. كما أعرب عن شكره للرئيس الأميركي دونالد ترامب والقادة الآخرين لالتزامهم بالدبلوماسية والحل السلمي للخلافات.

في سياق متصل، أثار امتناع إيران عن استهداف القوات الأميركية في إقليم كردستان خلال اليوم الأخير من الحرب استغراب المراقبين، واعتبر بمثابة "رد امتنان" من طهران لمواقف الإقليم. وقد صرح القنصل الإيراني في كردستان، محمد محمودي، في مؤتمر صحافي، بأن المسؤولين في الإقليم اتخذوا مواقف جيدة في إدانة "عدوان النظام الصهيوني"، بدءاً من رئيس الإقليم ورئيس الاتحاد الوطني.

ملفات عالقة وضغوط متوقعة

توجد ثلاثة ملفات رئيسية عالقة بين إيران والإقليم، تعاملت معها طهران من موقع القوة، إلا أن الإقليم يسعى حالياً لإعادة ضبط هذه الملفات وإدارتها بشكل أكثر توازناً، بحسب مصادر سياسية كردية.

ويوضح مصدر سياسي كردي لـ"النهار" أن المسألة الأولى تتعلق باستخدام إيران لحلفائها وأدواتها داخل العراق في التعامل مع إقليم كردستان. فقد عملت القوى السياسية العراقية المقربة من إيران على خلق عوائق سياسية وتشريعية أمام الإقليم، خاصة في الملف المالي، في حين لم تتوانَ الفصائل المسلحة عن مهاجمة الإقليم وزعزعة استقراره الأمني. ويتوقع المصدر أن توقف إيران هذه الممارسات، وأن تتوقف عن ممارسة الضغوط العسكرية على الإقليم بذريعة وجود مقاتلين وأحزاب كردية إيرانية على أراضيه.

ويرى المصدر أنه مع تراجع حدة الضغوط، يصبح تطلع إقليم كردستان لبناء شراكة اقتصادية مع إيران أكثر واقعية، خاصة في ظل حاجة طهران إلى تنمية اقتصادية مستدامة، لا سيما في محافظاتها الشمالية الغربية المتاخمة لحدود الإقليم.

تحوّل تقليدي

من جانبه، يرى الكاتب والباحث السياسي شفان رسول أن هناك تحولاً تقليدياً في طريقة تعاطي إيران مع كردستان. تاريخياً، كانت العلاقة بينهما معقدة، حيث لم ترغب طهران في تضخم دور كردستان خوفاً من انعكاس ذلك على أكرادها في الداخل، لكنها كانت تعتبر الإقليم طرفاً عراقياً موثوقاً به، ودعمت الحركات الكردية المتمردة تاريخياً.

ويضيف رسول أن العلاقة بين الطرفين تصل إلى أعلى درجات التنسيق في فترات ضعف إيران أو عندما تشعر بتهديد من كيانات إقليمية كبرى، كما حدث أثناء الحرب الإيرانية العراقية وقبلها خلال الاحتلال الأميركي للعراق. ويبدو أن هذا السيناريو يتكرر اليوم، ولو لفترة زمنية محدودة، وتشير تصريحات الجانبين إلى هذا الاتجاه بوضوح.

وقد يقود ذلك إلى تغييرات بنيوية كبرى في المنطقة ويعيد خلط الأوراق، حتى ولو كان هناك بطبيعة الحال الكثير من الشكوك التي لا تزال قائمة في حالة الدمار الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني، والوضع الذي سيطرأ بعد هذه المواجهات وهل سيؤدي إلى مفاوضات بشأن البرنامج النووي أو البرنامج الصاروخي أو نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وهذا أيضاً يطرح السؤال هل بالإمكان التوصل الى تسوية ديبلوماسية للحد من هذه النشاطات مستقبلاً وتجنب خطر سباق جديد نحو التسلح النووي في المنطقة؟

ويعتقد التحليل الفرنسي لنتائج هذه الحرب على النظام الإيراني أنه أصبح، بلا شك، أكثر ضعفاً واضطراباً وستظهر تداعيات داخلية في إيران حتى ولو تم تجنب منطق تغيير النظام من الخارج.

وخلاصة القراءة الفرنسية لما حدث أن من المرجح جداً أن تشهد المنطقة تغييرات، إذ من المنطقي أن تؤدي هزيمة إيران إلى إضعاف الجماعات التابعة لها وأن تجبر في الحد الأدنى على تجديد نفسها، وأن تتغير موازين القوى في بلدان هذه الجماعات التابعة لإيران ومنها لبنان والعراق.

إلى ذلك تعوّل باريس على ضرورة الاهتمام بملف غزة، خصوصاً لجهة وقف النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية. وباريس مستمرة في الإعداد مع السعودية لمؤتمر حل الدولتين الذي كان تم تأجيله بسبب الحرب الإسرائيلية على إيران.

مشاركة المقال: