الجمعة, 15 أغسطس 2025 04:19 PM

كويرس وقرى ريف حلب الشرقي: دمار واسع ونزوح مستمر يهدد مستقبل المنطقة

كويرس وقرى ريف حلب الشرقي: دمار واسع ونزوح مستمر يهدد مستقبل المنطقة

على أطراف مطار كويرس، وفي قلب ريف حلب الشرقي، تقف قرى مثل كويرس، جديدة عربيد، ورسم عبود، لتشهد على أكثر من عقد من الحرب والخراب. قرب هذه القرى من خطوط المواجهة جعلها ساحة للصراعات العسكرية المتتالية، ويدفع سكانها ثمنًا باهظًا من النزوح والدمار.

على الرغم من استعادة النظام السيطرة على المنطقة قبل حوالي تسع سنوات، لا يزال معظم السكان يعيشون في المخيمات أو المدن الأخرى، غير قادرين على إعادة بناء منازلهم واستعادة حياتهم الطبيعية. بدأت فصول المأساة في عام 2012، عندما دخلت فصائل المعارضة السورية المنطقة، قبل أن يسيطر تنظيم "داعش" على جزء كبير منها في أوائل عام 2014. وفي يوليو/تموز 2016، استعادت قوات النظام السابق المنطقة، لكنها حولتها إلى مناطق عسكرية مغلقة بسبب قربها من المطار، مما منع السكان من العودة لسنوات.

مع نهاية عام 2020، بدأ بعض السكان في محاولة العودة، ليجدوا منازلهم قد تحولت إلى أنقاض. عبدالله سليمان الثلجة، من أبناء كويرس، صرح لمنصة "سوريا 24" بأنه اضطر إلى مغادرة منزله بالقرب من الكلية الجوية في عام 2012 بعد إنذار رسمي بإخلاء المنطقة. وعندما تمكن من العودة في عام 2016، وجد منزله مدمرًا بالكامل، مما دفعه للاستقرار في مدينة حلب. يعمل حاليًا في الزراعة، لكن تدهور الوضع الاقتصادي منعه من إعادة بناء منزله أو العودة إلى أرضه، ويعيش اليوم على دخل محدود ويطالب بدعم القطاع الزراعي لتمكينه من العودة إلى قريته.

من جنوب المطار، على بعد مئات الأمتار، يروي الحاج سليمان بن أحمد قصته. اضطر للنزوح إلى مخيم شمارخ في الشمال السوري، حيث عاش مع أسرته سنوات قاسية بين حر الصيف وبرد الشتاء، وتعرض للقصف الروسي على المخيمات. بعد استعادة المنطقة، عاد لتفقد منزله فلم يجد سوى الأنقاض، فعاد مجددًا إلى المخيم، ويطالب اليوم المنظمات الدولية بالتدخل لمساعدتهم على إعادة البناء واستئناف حياتهم.

تكشف الأرقام عن عمق الأزمة. في كويرس، التي كان عدد سكانها قبل الحرب حوالي سبعة آلاف نسمة، لم يعد سوى ألف نسمة فقط. أما رسم عبود، التي كان يسكنها أربعة آلاف نسمة، فقد عاد إليها معظم سكانها تقريبًا، فيما شهدت جديدة عربيد عودة ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمئة نسمة من أصل خمسة آلاف، وفقًا لما يؤكده لؤي الثلجة، الرئيس السابق للجمعية الفلاحية لـ"سوريا 24".

بحسب الثلجة، تجاوزت نسبة الدمار في هذه القرى تسعين في المئة، خاصة في المنازل الواقعة جنوب وغرب المطار، وفي رسم عبود شرق المطار. ويعود السبب في ذلك إلى القصف الكثيف الذي استهدف مواقع تنظيم "داعش" قبل استعادة المنطقة في عام 2016، ثم جاءت الزلازل الأخيرة لتضاعف حجم الخراب. تعيش العديد من الأسر في خيام نُصبت داخل بقايا منازلها، أو بلا مأوى على الإطلاق.

كانت هذه المناطق تعتمد في حياتها على الزراعة، لا سيما زراعة القمح والذرة والقطن. إلا أن سنوات الحرب منعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، فتوقفت عجلة الإنتاج وانقطع مصدر الرزق. كما تراجعت الثروة الحيوانية بفعل السرقات ونقص المراعي، مما أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة.

على الرغم من قسوة المشهد، لا يزال حلم العودة حاضرًا في أذهان السكان. يرون في دعم الزراعة وإعادة إعمار البنية التحتية السبيل الوحيد لإنقاذ قراهم من النسيان، وإحياء الأرض والبيوت التي هجروها قسرًا، ليعود إليها صوت الحياة بعد سنوات الصمت الطويل.

مشاركة المقال: