وائل ابو الحسن* من الضروري اليوم أن نعيد تسليط الضوء على المسائل النقدية في لبنان، خصوصًا في ظل الانهيار المتواصل الذي تعيشه العملة الوطنية. فالكثير من المواطنين، وحتى بعض المعنيين بالشأن العام، لا يفرّقون بدقة بين قيمة العملة وسعر صرفها، رغم أن الفرق بينهما ليس مجرد مصطلحي، بل يُعبّر عن جوانب مختلفة من عمق الأزمة الاقتصادية التي نشهدها يومًا بعد يوم.
قيمة العملة تشير إلى قدرتها الشرائية داخل السوق المحلي، أي ما يمكن للفرد شراؤه بها من سلع وخدمات. أما سعر الصرف، فهو ما تساويه هذه العملة مقارنة بعملة أجنبية، مثل الدولار الأميركي أو اليورو. ولعلّ المثال اللبناني خير توضيح لهذه الفروقات، حيث تدهور سعر صرف الليرة من 1,500 ليرة إلى ما يتجاوز 90,000 ليرة مقابل الدولار، ما يعكس انهيارًا في الثقة بالعملة وغيابًا لأي سياسة نقدية فعّالة.
لكن ما الذي يُحدد قيمة العملة وسعر صرفها؟ تختلف العوامل المؤثرة، وإن كانت مترابطة:
فـ سعر الصرف يتأثر بعوامل مثل:
- حجم الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي.
- مستوى الاستقرار السياسي والأمني.
- حجم التدفقات المالية من الخارج، لا سيما تحويلات المغتربين.
- الثقة بالسوق المالي والمصرفي.
أما قيمة العملة، فتتأثر بعوامل داخلية مثل:
- معدلات التضخم.
- الإنتاج المحلي الحقيقي مقارنة بالواردات.
- العرض والطلب على العملة المحلية.
- السياسات النقدية والمالية المتبعة، بما في ذلك طباعة العملة وسعر الفائدة.
ما يحدث في لبنان منذ سنوات ليس سوى نتيجة مباشرة لانهيار هذه المعايير مجتمعة. ولعلّ أبرز مظاهر هذا الانهيار هو لجوء مصرف لبنان إلى طباعة أوراق نقدية من فئات أكبر، في محاولة “تبسيطية” لمواكبة ارتفاع الأسعار. فقد تم إصدار ورقة الـ100,000 ليرة، وقريبًا سنشهد أوراق الـ500,000 والمليون ليرة، بعد أن أقرّ مجلس النواب اليوم تعديلًا قانونيًا يجيز لمصرف لبنان إصدار هذه الفئات الجديدة.
لكن هذه الخطوة ليست دليلًا على “تحديث” النظام النقدي، بل إعلان صريح عن التدهور. فطباعة عملة إضافية دون غطاء اقتصادي أو إنتاجي يعادل إغراق السوق بالمزيد من الورق الذي لا قيمة فعلية له، ويزيد من معدلات التضخّم، ويؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للناس.
في السياق نفسه، يُطرح خيار “حذف الأصفار” كحلّ تقني، لكنه لا يُعدّ علاجًا حقيقيًا، بل مجرد محاولة لتبسيط الأرقام وتنظيم العمليات المحاسبية. فخفض عدد الأصفار لا يغيّر شيئًا في واقع الأزمة ما لم يترافق مع إصلاح اقتصادي جذري يعيد هيكلة الدولة، يُوقف الهدر والفساد، ويعيد ثقة الداخل والخارج بالمؤسسات.
إن ما نعيشه في لبنان ليس أزمة سيولة عابرة، بل أزمة نظام نقدي ومالي سقط بفعل الإهمال، الزبائنية، وانعدام الرؤية. والمطلوب اليوم ليس فقط إنقاذ الليرة شكليًا، بل إطلاق مسار اقتصادي جديد قائم على الشفافية والإنتاج والعدالة في توزيع الثروة.
ولعلّ الخطوة الأولى تبدأ بفهم المواطن لهذه الفروقات النقدية، لأن الوعي هو السلاح الأوّل في مواجهة الانهيار، وبناء مشروع إصلاحي حقيقي من القاعدة إلى القمة.
*محام – مغترب / المكسيك
أخبار سوريا الوطن١-الحوار نيوز