تحت عنوان "لغز كليوبترا"، يستضيف معهد العالم العربي في باريس معرضًا جديدًا يحتفي بالملكة المصرية كواحدة من أشهر نساء التاريخ. يضم المعرض حوالى 250 عملا فنيا ومجموعة من التحف الأثرية القديمة تعكس القراءات المختلفة لشخصية الملكة عبر العصور وكيف تحولت الى أسطورة بعد هزيمتها العسكرية ووفاتها منتحرة عام 30 قبل الميلاد.
على الرغم من التنقيبات الأثرية وصدور عشرات الدراسات التاريخية حولها فإننا لا نعرف الكثير عن سيرة حياة الملكة، وحتى اليوم لم يُعثر على قبرها كما أن صورها التي ترجع الى عصرها تطالعنا فقط في القطع النقدية التي تحمل اسمها.

يؤكد العلماء أن كليوبترا المولودة في الإسكندرية عام 69 قبل الميلاد أصبحت ملكة بعد وفاة والدها بطليموس الثاني عشر وكانت آخر ملكة للسلالة البطلمية التي حكمت مصر بعد موت الاسكندر الكبير عام 323 قبل الميلاد. بعد وفاتها منتحرة، صارت الدولة المصرية جزءا من الإمبراطورية الرومانية وطُويت صفحة من تاريخ المتوسط. أما لماذا تحولت كليوبترا الى لغز فذلك لأن الروايات المتناقلة عنها منذ مئات السنين تعرضت للتحريف وطغت عليها الأبعاد الأسطورية والخرافية. ثمة إجماع اليوم أن شهرة كليوبترا كملكة تعود الى كونها أسطورة أكثر من كونها حقيقة تاريخية. هل كانت شقراء أم سمراء؟ من كانت والدتها؟ أين دُفنت؟ أسئلة عديدة ما زالت بلا إجابة على الرغم من صدور عشرات الأبحاث العلمية حولها.

تتنوع صور كليوبترا في معرض معهد العالم العربي. تطالعنا في كتب التاريخ والفنون التشكيلية والبصرية والآداب والمسرح والسينما والملصقات الدعائية وغيرها من النتاجات الفنية التي ساهمت في صناعة أسطورتها كملكة طموحة ومتمردة على واقعها.
إذا كان اليونانيون والمصريون يكنون لها احتراما كبيرا كملكة مثقفة وديبلوماسية بارعة، فإن الرومان قدموها كملكة منحطة أخلاقيا وامرأة داعرة. بعد قرون من النسيان، أطلت الملكة من جديد، وبالتحديد منذ القرن السادس عشر وعصر النهضة الإيطالية. هكذا بدأت تطالعنا عشرات اللوحات والمنحوتات الأوروبية التي جسدت انتحار كليوبترا، منها منحوتة منفذة في القرن السابع عشر نعثر عليها في حديقة قصر فرساي وتصورها عارية وهي تمسك الأفعى. أما من القرن التاسع عشر فنتعرف الى لوحة بعنوان "موت كليوبترا" لجان أندره ريكسن من جموعة متحف أوغستان في تولوز تبدو فيها الملكة مستلقية عارية على سريرها وبجانبها خادمتها. تحضر أيضا الأعمال الفنية التي تشهد على تحالفها مع يوليوس قيصر ثم ماركوس أنطونيوس حتى هزيمتها على يد أوكتافيوس.
في مجال المسرح، ومنذ أن خصص لها شكسبير مسرحيته "أنطونيو وكليوبترا" عام 1623، صدرت عشرات المسرحيات حولها منها مسرحية الفرنسي فيكتوريان ساردو التي قامت ببطولتها النجمة الفرنسية سارة برنار عام 1890. في مجال السينما يبقى الفيلم الذي قامت ببطولته الممثلة الأميركية ليز تايلور عام 1963 والذي حقق نجاحا شعبيا كبيرا، الأشهر في تاريخ هوليوود والسينما العالمية.
باختصار، لا تزال كليوبترا، وبعد مضي أكثر من ألفي عام على رحيلها، أيقونة حية في الذاكرة الجماعية تستعيدها الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية والروايات. يُبرز المعرض في قسمه الأخير، القراءة الجديدة لسيرة كليوبترا بوصفها امرأة شجاعة وحرة في عالم يهيمن عليه الرجال وكيف فضلت الموت على الاستسلام حتى انها صارت في الولايات المتحدة أيقونة لدى الجالية الأفريقية السوداء ورمزا من رموز النضال ضد العبودية.