أحمد مصطفى - عاد الخلاف بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا ليؤثر مجدداً على علاقات البلاد بالمجتمع الدولي، في ظل الصراع المستمر على السلطة منذ أكثر من عقد. وفي خطوة مفاجئة، قامت الحكومة المسيطرة على شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد، بإعلان طلبها من وفد أوروبي مغادرة البلاد. الوفد ضم وزراء داخلية إيطاليا ماتيو بيانتيدوزي، وداخلية مالطا بايرون كاميليري، والهجرة واللجوء اليوناني ثانوس يليفريس، بالإضافة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة ماغنوس برونر.
جاء هذا القرار بعد وصول الوفد إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي قادماً من العاصمة طرابلس، حيث أجرى محادثات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ووزير داخليته عماد الطرابلسي حول ملف الهجرة غير الشرعية. وخلال الزيارة، أعلن الوزير الإيطالي تقديم دعم عسكري لسلطات طرابلس لمنع تدفقات المهاجرين.
بعد الوصول إلى بنغازي، تم استقبال الوفد في صالة كبار الشخصيات تمهيداً للقاء مع قائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر في مقر القيادة العامة. إلا أن الوفد فوجئ بإبلاغه بضرورة حضور رئيس الحكومة أسامة حماد ووزير داخليته للاجتماع، وهو ما رفضه الوفد الأوروبي، معتبراً ذلك "اعترافاً بشرعية" الحكومة، وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية. وبعد نقاشات، غادر الوفد عائداً إلى بلاده.
لاحقاً، أصدر حماد بياناً وصف فيه أعضاء الوفد الأوروبي بأنهم "أشخاص غير مرغوب فيهم"، متهماً إياهم بـ"تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية، وتصرفات تمثل عدم احترام للسيادة الوطنية الليبية ومخالفة القوانين الليبية".
من جهته، وصف الناطق باسم الحكومة اليونانية، بافلوس ماريناكيس، موقف حكومة شرق ليبيا بأنه "حادث غير مسبوق، يعكس موقفاً واضحاً لسلطات شرق ليبيا بشأن ملف الهجرة". وأشار إلى أن أثينا تدرس اتخاذ "إجراءات أكثر صرامة وفعالية" في مواجهة الهجرة غير القانونية، معتبراً أن تصرف حفتر "جاء كرد فعل على الضغوط الأوروبية لتقليل تدفقات المهاجرين" وأن "الطرد يكشف عن نوايا سياسية واضحة من قبل سلطات شرق ليبيا".
المحلل السياسي الليبي عمر أبو سعيدة، المؤيد لقرار حكومته، يرى أن ما حدث "يعكس إرادة حقيقية في استعادة هيبة وسيادة الدولة"، موضحاً أن الخطوة جاءت كرد فعل على وصول الوفد إلى مطار بنينا دون تنسيق مع الحكومة الليبية ووزارة خارجيتها، ما يعتبر إخلالاً بالأعراف الدبلوماسية.
ويستبعد أبو سعيدة أن يكون للخطوة انعكاسات سلبية على علاقات شرق ليبيا بأوروبا، قائلاً إن حكومة حماد تتناغم مع الواقع الذي تفرضه المؤسسة العسكرية على الأرض، ما سيجبر الدول على التعامل رسمياً مع الحكومة كما تتعامل مع القيادة العامة (حفتر). ويضيف أن الدول الأوروبية لديها مصالح في ليبيا، وستلجأ إلى معالجات خاصة، خصوصاً في ملف الهجرة غير الشرعية.
أستاذ العلوم السياسية الدكتور يوسف الفارسي يرى أن قرار حكومة حماد "جاء رداً على تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية وانتهاكاً للسيادة الليبية"، معتبراً أنه تطبيق لسياسة التعامل بالمثل بعد رفض الوفد التعامل مع الحكومة الليبية، ومستبعداً أن يؤثر القرار في العلاقات مع أوروبا.
المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ يستغرب القرار، خاصة وأن اللقاء كان مبرمجاً مع حفتر فقط، في إطار التنسيق مع السلطات الأمنية في الشرق والغرب بخصوص ملف الهجرة. ويلفت إلى أن الحديث عن ضرورة حضور حكومة حماد للاجتماع يحمل دلالات سياسية، وأن الدول تتعامل بحساسية مع مثل هذه المواقف، مؤكداً أن الخطوة لن تكون لها تداعيات كبيرة في ظل الانقسام السياسي الليبي.