الأحد, 24 أغسطس 2025 02:38 AM

مبادرة "ابن البلد" في جبلة: نموذج للتعايش ونبذ الطائفية

مبادرة "ابن البلد" في جبلة: نموذج للتعايش ونبذ الطائفية

حققت مبادرة «ابن البلد» في منطقة جبلة بريف اللاذقية نجاحًا ملحوظًا في تعزيز السلم الأهلي ونبذ الخطاب الطائفي، وذلك من خلال تدخلات ميدانية وبرامج اجتماعية وتعليمية ساهمت في إعادة الطمأنينة إلى المجتمع المحلي.

يشير مهيار بدرا، مؤسس ومشرف المبادرة والمقيم خارج سوريا والناشط في الشأن المجتمعي منذ بداية الثورة، إلى أن الحملة انطلقت في فترة حساسة أعقبت “معركة الفلول” وما تلاها من ردود فعل عنيفة. ويضيف أن الفريق قام سابقًا بإعادة تفعيل لجان التنسيق المحلية في جبلة وريفها، والتي كانت نشطة خلال سنوات الثورة، وسعى إلى تنظيمها وتوسيع نطاقها.

تضم المجموعات حوالي 180 شابًا وشابة من المدينة، يهدفون إلى تنظيم العمل الأهلي لتطوير جبلة. ولكن بسبب الاستقطاب الطائفي الحاد، تم تجميد اللجان والتحول إلى نهج مختلف وأكثر مباشرة مع الناس، مما أدى إلى إطلاق حملة «ابن البلد» بالتعاون مع الصيدلاني أيهم صبيح. تم إعطاء الأولوية لخطوات عملية لاستعادة الثقة، مثل استعادة السيارات المسروقة، ودعم العائلات الثكلى في دفن الضحايا، وتأمين نقل الجرحى بالتعاون مع الدفاع المدني.

أكد بدرا لمنصة سوريا 24 أن العمل كان يتم بشكل “أفقي” دون تمييز، حيث شارك المتطوعون في انتشال الجثامين ونقلها من الشوارع عند الضرورة. وفي مجال الإغاثة، انطلقت حملة لدعم الأسر الأكثر فقرًا بصيغة رمزية لكسر الحواجز، حيث قامت متطوعتان (علوية وسنية) بتوزيع تبرعات نقدية، بحيث تسلم العلوية المبالغ للعائلات السنية، والسنية للعائلات العلوية. وأضاف بدرا: “حاولنا فرض حالة من السلم الأهلي… ونجحنا”.

كما تم إطلاق حملة “جسور واحد” لدعم طلاب الشهادة الإعدادية أمام المراكز الامتحانية من خلال توزيع الورود والبطاقات التشجيعية والأقلام والمياه والضيافة، مما قدم نموذجًا للتطوع المنظم. وعقب تفجير الكنيسة في دمشق، نظمت المبادرة وقفة تضامنية جمعت سُنّة وعلويين ومسيحيين، “في مشهد كسر تابوهات مغلقة”.

خلال امتحانات الشهادة الثانوية، وبعد شكاوى الأهالي من غلاء المعيشة وحاجة الطلاب لوسائل نقل، إضافة إلى مخاوف من قدوم سكان الريف، تحركت المبادرة مع مديرية المنطقة ومديرية النقل، وبمشاركة الدكتور أمجد سلطان (مدير المنطقة)، لتسيير حافلات نقل مجانية بمرافقة من القوات الحكومية. وأوضح بدرا أنه “لم تُسجَّل حالات خطف أو اعتقال، واستطعنا إيصال رسالة أنّ الدولة تحمي الجميع”.

بعد النجاح الذي حققته حملات “جسور”، انتقلت المبادرة إلى نشاط تفاعلي جديد في منتجع وادي الملوك، حيث استقبلت طلابًا من مدرستين (إحداهما علوية والأخرى سنية) واصطحبت 30 طالبًا سنيًا وعددًا مماثلًا من العلويين في برنامج مشترك من الأنشطة، مما كان له أثر إيجابي في المجتمع. كما تم تكريم المتفوقين في الشهادة الإعدادية، مع إضاءة خاصة على الحالات ذات الاحتياجات الخاصة من الطائفتين.

أشار بدرا إلى أن بعض المنظمات ظهرت لاحقًا بأساليب طائفية “أسهمت في تعزيز الانقسام”، لكن “ابن البلد” نجحت في كسر هذه الحالة. يعتمد تمويل المبادرة على تبرعات من الداخل السوري، من أصحاب الدخل المحدود وأصحاب المحال الصغيرة والتجار، وتلعب المبادرة دور الوسيط بين المتبرع والمحتاج.

أكد بدرا أن التعاون مع الدولة والحكومة كان عاليًا، حيث تم التصدي الفوري لحالات الابتزاز أو الاعتداء من بعض القائمين على الحواجز. وشدد على أن النجاح جاء من المشاركة والجرأة في تجاوز الخطاب الطائفي نحو الشراكة مع الآخر.

من جانبه، أكد أيهم صبيح (شريك مؤسس في «ابن البلد») لمنصة سوريا 24 أن التعاون الذي حظيت به المبادرة كان “مُبهِرًا إلى أقصى حد” على المستويات الأمنية والاجتماعية والأهلية. وأشارت نجد مرعب، مدرسة اللغة العربية والمتطوعة في المبادرة، إلى أن الدافع كان إنسانيًا بحتًا، وأن المبادرة ركزت على الطلاب لأنهم الأكثر تأثرًا بالمناخ المشحون، ورسالتها كانت بسيطة ومباشرة: نحن أبناء بلد واحد.

مشاركة المقال: