وقفة احتجاجية في حلب ضد تبييض الجرائم وتقديم المتهمين كرموز للسلم الأهلي
نفّذ عدد من المحامين والحقوقيين السوريين ظهر اليوم وقفة تضامنية في ساحة القصر العدلي بمدينة حلب، احتجاجًا على ما وصفوه بمحاولات “تبييض الجرائم” من خلال تقديم شخصيات أمنية مثيرة للجدل كرموز لـ “السلم الأهلي”، في تجاهل فاضح لمبادئ العدالة الانتقالية وحقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت بحق الشعب السوري.
جاءت هذه الوقفة بالتزامن مع موجة غضب شعبي وحقوقي أثارتها التصريحات الأخيرة لعضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، حسن صوفان، والتي دافع فيها عن إدراج شخصيات متهمة بارتكاب انتهاكات واسعة، أبرزها فادي صقر، معتبرًا أن لهم دورًا في “تفكيك العقد” و”إحلال السلام”.
رفع المشاركون لافتات تطالب بـ “الحقيقة والمحاسبة قبل المصالحة”، مؤكدين أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تُختزل في شعارات أو لجان شكلية لا تمثل الضحايا ولا تُنصفهم، وأعرب عدد من المحامين عن رفضهم القاطع لتحويل العدالة إلى أداة سياسية تُستخدم لفرض المصالح على حساب دماء السوريين.
وفي تصريح خاص، قال المحامي عبد الغني شوبك، أحد منظّمي الوقفة: إن “العدالة الانتقالية ليست غطاءً تجميليًا لتسويق المصالحة، بل مسار حقوقي متكامل يبدأ بكشف الحقيقة، ثم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وجبر ضرر الضحايا ماديًا ومعنويًا، يليه إصلاح مؤسسات الدولة، وصولًا إلى السلم الأهلي الحقيقي، ما نشهده اليوم من تبرير لظهور شخصيات متورطة مثل فادي صقر وسقراط الرحية، هو طمس للعدالة، لا تمهيد لها”.
وشدد أن “ذاكرة الضحايا ليست سلعة سياسية، من ارتكب جرائم بحق السوريين يجب أن يُحاسب أمام القضاء، لا أن يُقدَّم كرمز للسلام، هذا التفاف خطير على العدالة، ويجب على المجتمع القانوني أن يكون في طليعة من يرفض هذا الانحراف”.
كما أشار إلى أن العدالة الانتقالية لا تتعارض مع السلم الأهلي، بل تمثل شرطًا أساسياً له، موضحًا: أن “تحقيق السلم الأهلي الحقيقي لا يتم من دون محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، هناك آلاف الشهداء والمغيبين قسرًا والمفقودين، وعائلات لا تزال تجهل مصير أحبائها، لهؤلاء الحق في معرفة الحقيقة، وجبر الضرر، وتحقيق العدالة الكاملة”.
وختم شوبك تصريحه بالتأكيد على أن العدالة ليست بندًا تفاوضيًا: “العدالة ليست خيارًا، بل ضرورة لإحقاق الحقوق وتحديد هوية الدولة القادمة، أي مصالحة تتجاوز هذا المسار محكوم عليها بالفشل، أخلاقيًا وقانونيًا”.
وأكد عدد من المشاركين أن تغييب الشفافية وتجاهل حقوق الضحايا يُهدد أي مشروع مصالحة حقيقية، محذرين من أن إعادة إنتاج أدوات القمع تحت مسميات جديدة لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسام.
وتُعد هذه الوقفة رسالة مفتوحة إلى السوريين والمجتمع الدولي، تؤكد أن أي حل سياسي أو اجتماعي لا يُبنى على أساس العدالة لن يُكتب له النجاح، وأن أصوات الضحايا وذويهم لن تُسكت تحت شعارات مصالحة قسرية أو تسويات مفروضة لا تحترم القانون، ولا تضع الجناة موضع المحاسبة.