الثلاثاء, 13 مايو 2025 07:03 PM

مزارعو الرقة عالقون: محصول القطن بلا ثمن يهدد مستقبل الزراعة

مزارعو الرقة عالقون: محصول القطن بلا ثمن يهدد مستقبل الزراعة

مريم زوان – الرقة

لم يتمكن جاسم العبد، الفلاح الخمسيني من قرية الدعمة شرق الرقة، من زراعة أرضه هذا الشتاء. غياب التمويل أجبره على ترك أرضه بوراً بعد حرمانه من قبض ثمن محصول القطن الذي سلّمه للحكومة السورية السابقة في موسم 2024. حاله كحال عشرات من مزارعي ريف الرقة الشرقي الذين باتوا رهائن الانتظار.

يعتمد معظم سكان الريف الشرقي في الرقة على الزراعة وتربية المواشي كمصدر دخل رئيسي، لكنهم اليوم يواجهون معضلة مزدوجة: عدم استلام مستحقاتهم عن الموسم الماضي، وغياب أي تمويل زراعي رسمي.

ثمن غير مقبوض

يقول جاسم العبد (48 عاماً)، وهو مزارع من سكان قرية الدعمة التي تبعد 50 كم عن الرقة، لنورث برس: "زرعت 15 دونماً من محصول القطن، وسلمته للدولة ولدي إيصالات بذلك، لكننا لم نقبض ثمنه حتى اليوم، واضطررت لترك الأرض دون زراعة"، مضيفاً أنه مديون بأربعة ملايين ليرة أجوراً لعمال المياومة، ولا يملك ما يسدد به.

ولا يزال العشرات من مزارعي ريف الرقة الشرقي يعانون من تأخر صرف مستحقاتهم المالية عن محصول القطن الذي سلموه للدولة في موسم 2024 قبل سقوط النظام السابق، وسط تفاقم الأوضاع المعيشية وغياب أي تمويل زراعي رسمي، مما أجبر معظمهم على ترك أراضيهم دون زراعة.

هذا الواقع دفع بالعديد منهم للعزوف عن الزراعة كلياً، ما ينذر بأزمة معيشية متفاقمة في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة البنية الاقتصادية وغياب الخدمات.

ويشير "العبد" إلى أن النظام السابق كان يجبر المزارعين على تسليم محاصيلهم، وكان يجد الكثير منهم صعوبة في تصريف منتجات محاصيلهم في ظل سيطرة الفرقة الرابعة سابقاً على منافذ ريف الرقة التي تؤدي إلى باقي المناطق السورية.

وكانت تفرض الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الإتاوات على المزارعين عند نقل محاصيلهم مبالغ تتراوح بين ألف دولار وثلاثة آلاف على كل شاحنة تحمل محاصيل زراعية، تخرج من ريف الرقة لتصريفها في مناطق أخرى، ما أجبر الكثير منهم على بيع محصوله بثمن بخس، أو تخزينه وكساده في غالب الأحيان.

وبينما هو مديون بأربعة ملايين ليرة أجوراً لعمال المياومة، ولا يملك ما يسدد به،  يجد "العبد" نفسه اليوم محرجاً من عمال المياومة الذين قطفوا له محصوله من القطن، إذ يعمل في القطن عند الحصاد عمال مياومون لقاء أجور في الساعات أو يتقاضى بعضهم أجراً على كل كيلو يقطفه، وهو الأمر الشائع في قطاف القطن.

ويأمل فلاحو ريف الرقة الشرقي أن تصل أصواتهم إلى الجهات المسؤولة، مطالبين بصرف ثمن محصول القطن الذي تم تسليمه للدولة في الموسم الماضي، ليتمكنوا من الاستمرار في زراعة أراضيهم وتأمين قوت يومهم.

غياب المصارف

يقول إسماعيل الخلف من قرية الشريدة الشرقية، التي تبعد نحو 20 كم عن الرقة، لنورث برس، إن حوالي 300 طن من القطن تم تسليمها للدولة باسم نحو 60 فلاحاً دون أن يتم صرف أي ليرة حتى اليوم.

ويضيف أن "القطن هو العمود الفقري للفلاح، بدونه لا يمكننا سداد ديوننا أو زراعة أرضنا".

بينما يقول مرهج طراد الحميضان، رئيس جمعية الجبلي الزراعية، لنورث برس، إن الجمعية لم تتلق أي تمويل من الدولة وسط غياب التمويل من المصارف، مشيراً إلى أن مزارعي القرية (الجبلي) سلّموا محصول القطن في موسم 2024، وكان من المفترض أن يتقاضوا مستحقاتهم في شهري تشرين الاول/أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلا أنهم على مشارف منتصف 2025 دون أن تصلهم أي مبالغ.

ويضيف "الحميضان"، أن "مستحقات الجمعية وحدها تتجاوز 3.2 مليار ليرة سورية، وهو مبلغ كان يمكن أن يغطي تكاليف زراعة موسم كامل، فيما اليوم أقل من 20 بالمائة من الفلاحين والمزارعين زرعوا قمحاً، والقطن أقل من 10 بالمائة، ومن استطاع ذلك كان بدعم من أقرباء مغتربين".

ويأمل مزارعو الرقة أن تصل أصواتهم لمن بيده القرار، علّهم يستطيعون استعادة دورة حياتهم الزراعية، وتمويل موسم جديد يكفل لهم قوت يومهم ويجنبهم مزيداً من الفقر والتهميش.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: