الإثنين, 19 مايو 2025 02:26 PM

مستقبل الحياة الحزبية في سوريا: قانون جديد للأحزاب قيد الانتظار

مستقبل الحياة الحزبية في سوريا: قانون جديد للأحزاب قيد الانتظار

عنب بلدي – بيسان خلف

مع حركة التغيير السياسي التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، التي تمثلت بـ”مؤتمر النصر” وحتى مؤتمر “الحوار الوطني”، الذي تلاه الإعلان الدستوري للمرحلة المؤقتة، يبقى المشهد السياسي مفتقدًا للأحزاب السياسية، وسط غياب قانون خاص لتنظيم عمل الأحزاب السياسية، وطبيعة نشاطها.

منذ انقلاب حزب “البعث” الذي فرض حكمًا شموليًا عام 1970 لم تشهد سوريا حياة حزبية، بعدما سيطر الحزب على جميع أشكال الحياة السياسية، وانضوت الأحزاب الأخرى تحت رايته، وسميت بـ “الجبهة التقدمية”، وبعدما حل “مؤتمر النصر” أحزاب الجبهة التقدمية، وعلى رأسها حزب “البعث”، يتساءل السوريون عن مستقبل الحياة الحزبية في سوريا.

عضو لجنة الإعلان الدستوري أحمد القربي، أوضح لعنب بلدي أن الدستور ينص على مادة تضمن حق حرية تشكيل الأحزاب على أسس وطنية، وفقًا لقانون جديد. والقانون الخاص بعمل الأحزاب لا يمكن أن يصدر دون مجلس تشريعي، فالأولوية الآن لتشكيل مجلس تشريعي مؤقت يصدر القوانين. الإعلان الدستوري وضع قاعدة واحدة للأحزاب، وهي ألا تكون الأحزاب على أسس إقليمية أو عرقية أو طائفية، إنما على أساس وطني، والقانون الخاص بالأحزاب سيراعي هذه القاعدة.

الأحزاب غير التابعة للجبهة الوطنية التقدمية، ستحتاج لتراخيص جديدة، كما أن القانون الخاص بالأحزاب سيفصل الإجراءات وآلية تقديم الأحزاب وتراخيصها وشروط تشكيلها ونظامها الداخلي، الإعلان الدستوري فقط وضع قاعدة عامة ويأتي القانون ليفصل فيها.

غياب الأحزاب غياب للحياة السياسية

في استطلاع أجرته عنب بلدي للعاملين في الشأن الصحفي والسياسي، حول ضرورة وجود أحزاب سياسية خلال مرحلة التغيير السياسي التي تعيشها سوريا، تضاربت الآراء حول من يعتقد أن غياب الأحزاب يهدد الديمقراطية واختلاف التوجهات البناءة في سوريا، وبين من يرى أن عمل الأحزاب في هذه المرحلة ربما يخلق تصدعًا أكبر في المجتمع السوري، في حال شُكلت هذه الأحزاب على أسس مناطقية وطائفية.

الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي يرى أن غياب الأحزاب لا يعني غياب الديمقراطية، بل غياب الحياة السياسية، وهذا يعني تراجعًا للديمقراطية في سوريا. ويعتقد علاوي، خلال حديث لعنب بلدي، أنه من المتوقع أن تكون الأحزاب المستقبلية محافظة ووسيطة، أي أنها لن تكون يسارية متطرفة (علمانية أو ليبرالية حادة)، ولن تكون أحزاب “دينية متشددة”. كما يرتبط شكل الأحزاب وأنظمتها الداخلية بقانون الأحزاب الذي سيصدر قريبًا.

عدم استصدار قانون أحزاب في المرحلة الانتقالية، وفقًا لما تروجه الحكومة الحالية يعود لصعوبة إنشاء قانون للأحزاب كون الحياة السياسية معطلة بسبب عدم عودة السوريين، كما أن البيئة السياسية والاقتصادية الحالية غير مجهزة ليكون هناك أحزاب، ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن اعتماد قوانين خاصة بالأحزاب دون تشكيل المجلس التشريعي الذي سيشرع ويقر القوانين الجديدة في سوريا، ومن ضمنها قانون تنظيم وعمل الأحزاب السياسية، وفقًا لعلاوي.

وبحسب علاوي، فإن قانون الأحزاب الجديد سيعتبر إلغاء لكل الأحزاب السابقة وإعادة ترخيصها من جديد، بما يتناسب مع ما سيصدر من المجلس التشريعي. وأعلن “مؤتمر النصر” عن حل مجلس الشعب واللجان المنبثقة عنه، بينما نصت المادة 24 من الإعلان الدستوري، على أن يشكّل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب، وتشرف هذه اللجنة على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء المجلس، فيما يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي لضمان التمثيل العادل والكفاءة.

كما تنص مسودة الإعلان الدستوري على أن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية، وبعد مضي شهرين تقريبًا على الإعلان الدستوري، ما زال السوريون ينتظرون تشكيل مجلس تشريعي، لإقرار القوانين التشريعية والتنفيذية في سوريا.

الحياة الحزبية في سوريا

عاشت سوريا بعد تحقيق استقلالها في 17 من نيسان 1946، حياة سياسية وحزبية نشيطة تميزت بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، إذ تنوعت التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، واستطاعت الأحزاب حينها ممارسة دورها السياسي رغم الانقلابات العسكرية، وكان البرلمان السوري رمزًا لدور ونشاط هذه الأحزاب.

وكانت الأحزاب السياسية تمارس نشاطها على الساحة الوطنية بحرية مصونة وفق القوانين والدستور، ومن أبرز الأحزاب في تلك المرحلة هي “التعاوني الاشتراكي”، و”الإخوان المسلمون”، و”الشيوعي السوري” و”حزب البعث العربي الاشتراكي”، وكذلك حزبي “الشعب” و”الوطني”، اللذين كانا حصيلة انقسام الكتلة الوطنية التي تشكلت عام 1926 بهدف مقاومة الاستعمار الفرنسي .

ومع الوحدة بين سوريا ومصر، عام 1958، تقيدت الأحزاب السورية، وشددت الأجهزة الأمنية قبضتها على عمل ونشاط الأحزاب، في محاولة تمهيد للحكم الفردي وفصل السياسة عن المجتمع، ومع انقلاب حزب “البعث العربي الاشتراكي”، عام 1963، وصل حافظ الأسد إلى سدة الحكم باستخدام السلطة العسكرية، بعدما نفذ انقلابًا عسكريًا في 16 من تشرين الثاني عام 1970.

بدأ حزب “البعث” بالقضاء على الأحزاب السياسية، كما تحول بعضها للعمل السري، ولكن القمع الشديد لم يسمح لتلك الأحزاب بالانتشار أو التأثير، وللقضاء على هذه الأحزاب بشكل كامل أنشأ حافظ الأسد ما يسمى بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” ما أدى إلى انسحاب الأحزاب المعارضة لسياسة البعث منها كالشيوعيين والقوميين، وجرت ملاحقة المعارضين منهم.

وانتهت حقبة حزب “البعث العربي الاشتراكي” بعد سقوط نظام بشار الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، وفي 29 من كانون الثاني، أعلنت “القيادة العامة” حل حزب “البعث” الحاكم في سوريا بعهد النظام السابق، وأحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، وإعادة جميع أصولها إلى الدولة السورية.

مشاركة المقال: