الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 05:26 PM

مصر تسعى لدور محوري في لبنان: مبادرة جديدة لاحتواء التوتر مع إسرائيل وتأثيرها على العلاقات مع سوريا

مصر تسعى لدور محوري في لبنان: مبادرة جديدة لاحتواء التوتر مع إسرائيل وتأثيرها على العلاقات مع سوريا

في أعقاب الهدنة في قطاع غزة و"قمة شرم الشيخ للسلام"، كثفت مصر جهودها الدبلوماسية لاحتواء التوتر المتزايد بين لبنان وإسرائيل، خاصة مع تجدد القصف الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. تجسد هذا التحرك في سلسلة لقاءات وزيارات متبادلة، حيث التقى رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بنظيره اللبناني، نواف سلام، في القاهرة يوم 2 تشرين الثاني الحالي، وأعقب ذلك مؤتمر صحفي مشترك بعد انتهاء أعمال اللجنة المصرية-اللبنانية في دورتها العاشرة، بعد توقف دام ست سنوات.

أكد مدبولي خلال المؤتمر على أهمية إنهاء الأزمة بين لبنان وإسرائيل وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني. بالتزامن مع ذلك، زار رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، بيروت، حيث التقى بالرئيس اللبناني، جوزيف عون، وكبار المسؤولين، لمناقشة الأوضاع في جنوب لبنان وإمكانية توسيع اتفاق "شرم الشيخ" ليشمل لبنان. وأكد رشاد، وفقًا لبيان الرئاسة اللبنانية، استعداد مصر للمساهمة في تحقيق الاستقرار في الجنوب وإنهاء الوضع الأمني المتوتر.

يثير هذا التحرك تساؤلات حول تأثير المبادرة المصرية الجديدة في الملف اللبناني على علاقة القاهرة بدمشق. يرى مراقبون أن نجاح الوساطة المصرية بين إسرائيل ولبنان، والتي تتطلب تنسيقًا مع سوريا، سيعزز دور مصر في المرحلة المقبلة.

ملامح المبادرة المصرية

خلال الاجتماعات، طرحت القاهرة "المبادرة المصرية" لحل الأزمة اللبنانية-الإسرائيلية، بمشاركة أطراف من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان، خوفًا من تصعيد إسرائيلي لحرب شاملة على لبنان. تهدف المبادرة إلى تسوية شاملة للأزمة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من خمس نقاط في جنوب لبنان، وفقًا لمصادر دبلوماسية مصرية نقلتها "بي بي سي".

تتضمن المبادرة "وقفًا كاملًا لأي اعتداءات إسرائيلية أو انتهاكات للأراضي اللبنانية برًا أو جوًا بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ"، بالتزامن مع "انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية عقب إعلان رسمي من بيروت بسحب سلاح (حزب الله)، وإعادة انتشار كامل للجيش اللبناني في الجنوب".

أوضح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني، الدكتور زياد علوش، لعنب بلدي، أن التحركات الدبلوماسية المصرية لم تتوقف في لبنان، رغم تراجع نفوذ القاهرة في بيروت. وأثيرت تساؤلات حول زيارة رئيس المخابرات العامة المصري، اللواء حسن رشاد، على رأس وفد أمني كبير، بعد لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 21 تشرين الأول الماضي، وفقًا لعلوش، في ظل الفتور بين القاهرة ودمشق وتأثيره على العلاقات اللبنانية-السورية. وتزامنت زيارة الوفد المصري مع تأجيل زيارة الأمير السعودي، يزيد بن فرحان، إلى بيروت.

وساطة أم رسائل تحذير

تبدو المهمة المصرية ظاهريًا كتقديم دعم معنوي للبنان، ولكنها في الواقع نقل رسالة تحذير إسرائيلية إلى لبنان برعاية أمريكية. وقد نقلت جهات إقليمية ودولية أخرى رسائل مماثلة، بما في ذلك ألمانيا، المعروفة بوساطاتها الاستخباراتية الصامتة في ملف "حزب الله" اللبناني وإسرائيل، خاصة بعد وصف المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، الدولة اللبنانية بـ"الفاشلة"، بحسب المحلل السياسي زياد علوش.

ويرى علوش أن تل أبيب قد تفقد صبرها وتوسع عدوانها على لبنان بحلول نهاية العام الحالي إذا لم تتمكن الحكومة اللبنانية من نزع سلاح "حزب الله"، وفقًا للقرار الأممي "1701" واتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. لتجنب حرب إسرائيلية جديدة على لبنان، تستكشف القاهرة وساطة بين تل أبيب وبيروت على غرار وساطتها بين غزة وإسرائيل، ويبدو أن لبنان "أعطى المصريين طرف الخيط" بموافقة الرئيس اللبناني، جوزيف عون، على التفاوض المباشر مع إسرائيل.

يرى علوش أن المشكلة في الملف اللبناني-السوري تكمن في وجود وجهات نظر متضاربة في بيروت حول رسم السياستين الدفاعية والخارجية، بالإضافة إلى الانقسام والعجز الحكومي في المسائل السيادية لصالح النفوذ الإيراني في لبنان، ولعبة الكراسي بين الرئاسات الثلاث.

دمشق تفتقد "الشريك" اللبناني

يستنتج المراقب للعلاقات اللبنانية-السورية، في ظل الحكم الجديد في سوريا، أن دمشق حسمت خيارها العربي إلى جانب السعودية بعيدًا عن الهلال الشيعي وانفتاحها على الغرب والولايات المتحدة، وأنها تفتقد للشريك اللبناني الفاعل، خاصة السني منه، وفقًا للمحلل زياد علوش. وتتوقف هذه الصورة على نتائج لقاء الرئيسين دونالد ترامب وأحمد الشرع في واشنطن، واجتماع الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب.

ويرى علوش أن ما سيحدث في بيروت حتى نهاية العام الحالي سيؤثر بشكل كبير على مختلف هذه الملفات في ظل استقطابات محلية وإقليمية جديدة. وفي حال نجحت الوساطة المصرية في لبنان بالجانب المرتبط بإسرائيل، فسيعطي ذلك دورًا أكبر لمصر وتأثيرًا أقوى في الملفات الأخرى. العلاقات اللبنانية-السورية حاليًا تحت مظلة المملكة العربية السعودية، وهي صاحبة النفوذ الأكبر في الداخل اللبناني.

دور مصر الإقليمي و"مقاربة حذرة"

يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري، عزت النمر، أن العلاقات المصرية-السورية تعاني من التردد والتأرجح وتحكمها الهواجس والتخوفات، لكن إكراهات الواقع تحفظ حدًا أدنى وتمنعها من القطيعة الكاملة. ويعلل النمر حالة الفتور والتردد في الموقف المصري من العلاقة مع سوريا بعدة أسباب، منها نظرة النظام المصري إلى سوريا الجديدة التي يحكمها أحمد الشرع ذو الخلفية الإسلامية.

ويرى النمر أن مصر ستسعى لأخذ خطوات جادة نحو دمشق في سبيل استبقاء بعض الملفات الإقليمية في يديها والحفاظ على دور حيوي في الإقليم، معتبرًا أن الدور الجديد لمصر في لبنان سيكون اختبارًا حقيقيًا لجدية النظام المصري هناك. ويعتقد النمر أن زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بيروت هي محاولة جادة في أن تكون القاهرة هي صاحبة الدور الرئيس في ملف العلاقة بين إسرائيل ولبنان.

ويجد المحلل أن الدور المصري لن يزيد على نقل الرسائل والاستجابة للأجندة الإسرائيلية وتقديم مصر كفاعل حيوي أمام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن القاهرة ربما تستغل أطرافًا محلية في الداخل اللبناني لتضغط في هذا الملف فتحقق من خلالها تقدمًا ما. ويرى النمر أن الغطاء الأمريكي معني بالضرورة بمسألة نزع سلاح "حزب الله"، وهو مطلب إسرائيلي بالأساس، وبالتالي فانعكاس الدعم الأمريكي للدور المصري سيظل مرهونًا بشكل جزئي بهذه المهمة المحددة في لبنان. بالتالي، فإن القاهرة ستمارس مقاربة حذرة في العلاقات مع دمشق، بحيث تحقق ما تريده مصر من الوجود والحضور الإقليمي وعدم الغياب عن التحالفات الجديدة، وتحافظ على بقدر ما تستطيع على دورها الإقليمي.

مشاركة المقال: