في خضم التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا، تظهر قصص ملهمة لنساء حولن منازلهن إلى ورش إنتاجية، مثبتات أن الإصرار والموهبة يمكن أن يخلقا فرصًا حقيقية. من بين هذه النماذج، تبرز قصة صبا الشاغل من حلب، التي استطاعت من خلال الكروشيه بناء مستقبل مستقر لعائلتها وفتح آفاق جديدة لحياتها.
تقول صبا، الأم لخريجة الثانوية: "كنت أبحث عن شيء يشغل وقتي ويستثمر شغفي. جربت الرسم والتطريز والتريكو، لكنني لم أجد نفسي في أي منها. إلى أن اكتشفت عالم الكروشيه بالصدفة". بدأت صبا بإبرة وخيوط بسيطة، لكنها سرعان ما لجأت إلى دروس "يوتيوب" من قنوات عربية وتركية ومكسيكية لتطوير مهاراتها. بدأت بصنع قطع صغيرة للعائلة والأصدقاء، ومن هنا انطلقت فكرة مشروعها.
تضيف صبا: "بدأت بعرض أعمالي على فيسبوك، وسرعان ما بدأت الطلبات تنهال عليّ، خاصة لمنتجات الأطفال. كنت أحرص على تقديم منتجات عالية الجودة تلبي أذواق الزبائن".
عبير العلي، إحدى الأمهات اللواتي يفضلن المنتجات الصوفية اليدوية، تقول: "أختار دائمًا قطع الكروشيه لأنها تصمم خصيصًا حسب الطلب وتتميز بجودتها العالية التي تنافس المنتجات الموجودة في السوق. أشعر أن هذه القطع تحمل روحًا خاصة لأنها مصنوعة بحب وصبر، وهذا ما يجعلني أفضلها لأطفالي ومنزلي".
لم يكن الطريق خاليًا من العقبات، حيث واجهت صبا صعوبات في تأمين خيوط ذات جودة وألوان مناسبة بسبب الحصار الاقتصادي. لكنها لم تستسلم، بل سعت إلى الابتكار. أضافت لمسة خاصة إلى أعمالها بدمج الكروشيه مع الخشب لصناعة صوانٍ مزخرفة، وهي فكرة تعتبرها من أوائل من طبقها في حلب وربما في سوريا، وحققت نجاحًا كبيرًا.
تؤكد صبا أن دعم عائلتها وزوجها كان الدافع الأكبر لاستمرارها، رغم الخسائر المادية والتعب. اليوم، لم يعد مشروعها مجرد هواية، بل مصدر دخل يساعدها على مواجهة متطلبات الحياة.
تجربة صبا تجسد قوة المشاريع الصغيرة المنزلية في تمكين المرأة اقتصاديًا في سوريا. فالأعمال اليدوية، مثل الكروشيه والتطريز، لا تقتصر على كونها هواية، بل تتحول إلى مصدر دخل يعزز استقلالية المرأة ويدعم أسرتها في ظل الظروف المعيشية الصعبة. ومع اقتراب فصل الشتاء، يزداد الطلب على المنتجات الصوفية، مما يمنح صاحبات هذه المشاريع فرصة لتوسيع أعمالهن وزيادة أرباحهن.
يؤكد ناشطون اقتصاديون محليون أن هذه المشاريع الصغيرة تساهم في خلق فرص عمل بديلة، وتعزيز ثقافة الاعتماد على الذات، ومنح المرأة دورًا أكبر في تنمية المجتمع.
تختتم صبا حديثها بابتسامة: "كل قطعة أصنعها تصل إلى الزبون محملة بالحب والشغف، وأتمنى أن تلهم قصتي نساء أخريات لبدء مشاريعهن الخاصة مهما كانت الظروف صعبة".