الإثنين, 20 أكتوبر 2025 10:03 PM

من اللاذقية إلى إدلب: اللهجات السورية توحد صناع المحتوى وتكسر الصور النمطية

من اللاذقية إلى إدلب: اللهجات السورية توحد صناع المحتوى وتكسر الصور النمطية

بأدوات مطبخ بسيطة، تشبه تلك الموجودة في معظم المنازل، تظهر الطفلة "سارة" مع شقيقها "جواد"، ليتحدثا عن طريقة تحضير البيض بالخضار بعفوية وبساطة، محققين أكثر من 3000 إعجاب والعديد من التعليقات المشجعة.

"سارة وجواد" هو الاسم الذي اختارته الطفلة لصفحتها على الفيسبوك، حيث تنشر محتوى عن الطبخ من قريتها في اللاذقية، متحدية التنمر المحتمل. وقد سبقتها في ذلك صانعة المحتوى "لينا دنورة" من مصياف، والتي تعتبر ربما أول صانعة محتوى سورية تتحدث بلهجتها الأم دون تكلّف أو تغيير، وحصدت بشعبيتها وبساطة محتواها قاعدة جماهيرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعيداً عن الانقسامات الحالية بين السوريين والصورة النمطية التي يحملونها عن بعضهم البعض، يبرز صناع المحتوى الذين يتحدثون بلهجاتهم المحلية دون تصنع اللهجة الشامية الأكثر استخداماً في وسائل الإعلام والمسلسلات. يتفاعل السوريون معهم ويكتسبون أفكاراً جديدة عن البيئات المختلفة، مما يكسر الصور النمطية بشكل كامل.

ومن حلب، يطل صانع المحتوى "أحبد"، كما يعرف عن نفسه، مقدماً بلهجته الحلبية محتوىً خفيف الظل، ويحصد تفاعلاً كبيراً لما يثيره من مشاعر الضحك لدى معظم السوريين من مختلف المحافظات.

وفي الإمارات، يقدم ""، وهو شاب من محافظة السويداء، العديد من مقاطع الفيديو الكوميدية التي تحاكي تفاصيل ومواقف يومية نعيشها في حياتنا، وذلك بلهجته الأم. اشتهر بمقاطع فيديو "الجارة أم حسين" التي حققت انتشاراً واسعاً. وبالمثل، كان ""، وهو شاب من إدلب، يحظى بمتابعة حتى من أشد الموالين للنظام السابق قبل سقوطه، الذين كانوا يضحكون سراً على خفة ظله.

بين اللهجة الساحلية التي تذكر برائحة البحر، واللهجة الحلبية الممزوجة بخفة الدم، واللهجة السويدائية المائلة إلى الطيبة والعفوية، واللهجة الإدلبية الحادة التي تخفي وراءها بساطة الريف وحميميته، يجد السوريون في المحتوى المحلي مساحة للتعرف على بعضهم البعض من جديد، بلا وسائط ولا خطاب رسمي ولا تحزب.

من خلال مقاطع قصيرة على "تيك توك" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، نجح هؤلاء في تقديم سوريا الحقيقية، سوريا التي تضحك وتطبخ وتغني وتتشاجر أحياناً، لكنها تبقى واحدة في همها اليومي وحبها للحياة.

تبدو هذه الموجة من صناع المحتوى المحليين وكأنها تملأ الفراغ الذي تركه الإعلام الرسمي والموجه، إذ تقدم محتوى عفوياً بلغات الناس ولهجاتهم، لا شعارات ولا بيانات. وبدلاً من أن تكون اللهجة سبباً للتنمر أو التقسيم، أصبحت جسراً للتعرف والفضول والمحبة.

في النهاية، لا يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي وحدها ستعيد وصل ما انقطع، لكنها تعيد تعريف السوريين بأنفسهم من جديد، وتمنحهم لغة مشتركة من العفوية والضحك والتجربة اليومية. فكما وحدت الحرب السوريين في الخسارات، يمكن أن توحدهم الحياة في التفاصيل الصغيرة، في لهجة، أو أكلة، أو نكتة، أو طريقة نداء أم لابنها في فيديو عابر، لكنها تكفي لتقول إن ما يجمع السوريين أكبر بكثير مما فرقهم.

مشاركة المقال: