لم تهدأ الأصداء منذ الإعلان عن فوز العالم العربي عمر ياغي بجائزة نوبل للكيمياء، مشاركةً مع عالمين آخرين، وذلك لأسباب عدة أبرزها أصوله الفلسطينية وقصة كفاحه التي أوصلته إلى هذا التتويج. ورغم أن الجائزة في مجال الكيمياء، إلا أن التفاعل معها اتخذ بعدًا إعلاميًا واسعًا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتبر البعض فوز ياغي بمثابة "طاقة نور" تبعث الأمل في قلوب الفلسطينيين، رغم المعاناة التي يمرون بها جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. واستمرت الإشادة برحلة صمود ياغي، وتغلبه على صعوبات اللجوء وبداياته المتواضعة في غرفة صغيرة كانت تأوي أسرته المكونة من 12 فردًا، فهو ينحدر من عائلة فلسطينية هُجّرت إلى الأردن عقب حرب 1948.
كما أثير نقاش حول التقارير التي ذكرت أن ياغي يحمل أربع جنسيات: الفلسطينية بحكم الأصل، والأردنية والسعودية وفقًا لإعلام رسمي من البلدين، بالإضافة إلى الجنسية الأمريكية.
وكانت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم قد أعلنت في وقت سابق عن منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025 لكل من ياغي، والياباني سوسومو كيتاغاوا، والبريطاني المولد ريتشارد روبسون، تقديرًا لجهودهم في "تطوير أطر معدنية عضوية". هذه الأطر المعدنية العضوية (MOFs) يمكن استخدامها في استخلاص الماء من هواء الصحراء، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة، أو تحفيز التفاعلات الكيميائية.
تُمنح جوائز مؤسسة نوبل، التي تأسست في 9 يونيو/ حزيران 1900، تنفيذًا لوصية المهندس والمخترع السويدي ألفريد نوبل، للأفراد الذين قدموا خدمات جليلة للإنسانية.
عقب فوزه بالجائزة، أعرب العالم عمر ياغي عن "دهشته وسروره وتأثره"، خلال حديثه لمؤسسة نوبل، مستذكرًا بداياته المتواضعة ونشأته في بيت بسيط مع عائلته التي كانت تتقاسم غرفة صغيرة واحدة مع الماشية. وأضاف أنه ولد في الأردن لعائلة لاجئة، وأن والديه بالكاد يعرفان القراءة والكتابة.
وأكد ياغي أن رحلته الطويلة لم تكن ممكنة لولا العلم، الذي وصفه بأنه "أعظم قوة مساواة في العالم ودليل على أن الموهبة موجودة في كل مكان، تحتاج فقط إلى الفرصة لتزدهر".
عمر ياغي، الذي أشارت تقارير إعلامية إلى أن والديه أرسلاه للدراسة في أمريكا في سن الخامسة عشرة، بدأ مسيرته العلمية كباحث في جامعة ولاية أريزونا، وكان يحلم بنشر مقال واحد على الأقل يحصل على 100 اقتباس، لكنه اليوم يرى أن مجموع الاقتباسات التي حققها مع طلابه تجاوز 250 ألفًا، وهو ما لم يكن يتوقعه على الإطلاق. وأضاف أن جمال الكيمياء يكمن في القدرة على التحكم بالمادة على المستوى الذري والجزيئي، وهو ما يفتح آفاقًا هائلة من الإمكانات والاكتشافات.
وقد احتفت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية ببلوغ عمر ياغي مجد نوبل، ووصفته بأنه عالم أردني من أصل فلسطيني، ولد في العاصمة الأردنية عمان عام 1965. ووفق إعلام محلي فلسطيني، تعود أصول عائلة ياغي (آل ياغي) إلى بلدة "المسمية" التي كانت تابعة لقضاء غزة قبل نكبة عام 1948، ويتركز أغلبهم اليوم في قطاع غزة، وقصف بعض عائلاتها خلال الحرب على القطاع. أما عائلة العالم نفسه، فتقيم في منطقة عين الباشا التابعة لمحافظة البلقاء غرب العاصمة بنحو (20 كيلومترًا)، بحسب المصادر ذاتها.
وعقب الإعلان عن الفوز أيضًا، عبر ملك الأردن في تدوينة على منصة شركة "إكس" الأمريكية عن الفخر بحصول ياغي على الجائزة، قائلاً: "نفخر ونعتز بالعالم الأردني البروفيسور عمر ياغي، ونبارك له وللأردن فوزه بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025". بينما قالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية: "فاز العالم السعودي البروفيسور عمر ياغي، بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، كأول عالم سعودي يفوز بالجائزة". ووفق الوكالة، فإن البروفيسور ياغي قد حصل على الجنسية السعودية، تقديرًا لجهوده وإسهاماته العلمية البارزة ومساهماته في مجال الكيمياء الشبكية والمواد النانوية. وأضافت أن ياغي من ألمع العلماء في مجال الكيمياء الشبكية، حيث ساهم خلال مسيرته العلمية في نشر أكثر من 300 بحث علمي، وحظيت أعماله بأكثر من 250 ألف استشهاد علمي. كما أسهم، وفق الوكالة، في تأسيس العديد من الشركات العالمية، وإطلاق عدد من المبادرات العلمية في مجال الطاقة النظيفة وعلوم المواد.
عقب هجرته إلى الولايات المتحدة، حصل ياغي على الماجستير ثم الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي عام 1990، ونُشر له أكثر من 300 بحث علمي، وحظيت أعماله بأكثر من 250 ألف استشهاد علمي، ولديه ما يزيد على 70 براءة اختراع. ثم التحق بجامعة هارفرد 1990-1992 لمتابعة دراسته، كما انضم إلى هيئة التدريس في جامعة ولاية أريزونا 1992-1998، وبعد ذلك انتقل إلى جامعة ميتشغان 1999-2006 ثم إلى جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس 2007-2012، وأخيرًا إلى جامعة كاليفورنيا بيركلي، وعمل أستاذًا في الكيمياء. وأسس ياغي عدة مختبرات في جامعات مختلفة باليابان وفيتنام ويتعاون مع مركز قطر لأبحاث البيئة والطاقة، حيث تعنى مراكز أبحاثه بخدمة الباحثين وتصميم وإنتاج مجموعات من المركبات الكيميائية الشبكية وأشهرها تُعرف بالأطر المعدنية العضوية.
ووفق ما ورد في سيرة ياغي على موقع كلية الكيمياء في جامعة كاليفورنيا، فقد تم تكريمه بجوائز من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك: ميدالية ساكوني من الجمعية الكيميائية الإيطالية 2004، وميدالية جمعية أبحاث المواد 2007، وجائزة الجمعية الكيميائية الأمريكية في كيمياء المواد 2009. كما نال جائزة المئوية للجمعية الملكية البريطانية للكيمياء 2010، وجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم 2015، وجائزة ألبرت أينشتاين العالمية للعلوم 2017. وفاز ياغي أيضًا بجائزة وولف في الكيمياء 2018، وجائزة إيني للتميز في الطاقة 2018، وجائزة جريجوري أمينوف من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم 2019. كما حاز جائزة أغسطس فيلهلم فون هوفمان دينكمونزه من الجمعية الكيميائية الألمانية 2020، وجائزة المياه المستدامة من الجمعية الملكية البريطانية للكيمياء 2020، وجائزة فين فيوتشر 2021. وحصل العالم العربي على ميدالية فيلهلم إكسنر 2023، وجائزة سولفاي 2024، وجائزة تانغ 2024، وجائزة بلزان 2024. وصُنف ياغي، مرارًا ضمن أفضل العلماء والمهندسين في العالم، وحصل على جائزة نوابغ العرب عن فئة العلوم الطبيعية لعام 2024.
الأناضول