بعد حوالي 45 يومًا، يبدأ موسم حصاد القمح في سوريا، في ظل أزمة حادة تعاني منها البلاد لتأمين احتياجاتها من هذه المادة الأساسية. يُعوّل على هذا الموسم لتخفيف أعباء الاستيراد واختبار قدرة الحكومة على تجاوز التحديات اللوجستية وإنجاز عمليات الاستلام بأكبر قدر ممكن من الكفاءة.
وعلى الرغم من التحديات الطبيعية كالظروف المناخية الصعبة التي شهدتها البلاد، وتأثيرات النزاع المستمرة، تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 13% مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، ليصل إلى 3.4 مليون طن من الحبوب المتنوعة.
في يناير الماضي، صرح وزير الزراعة السابق بأن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في سوريا تقل عن 20%، مما اضطر البلاد إلى استيراد 200 ألف طن شهريًا بعد أن كانت مكتفية ذاتيًا. وتقدر حاجة سوريا الشهرية من القمح بـ 350 ألف طن.
من جهته، أكد مدير عام المؤسسة السورية للحبوب أن المخزون الاحتياطي من القمح جيد ويكفي لعدة أشهر قادمة، مطمئنًا المواطنين بشأن توفر الدقيق والخبز.
تمتلك سوريا بنية تحتية جيدة من الصوامع لاستيعاب محاصيل القمح المحلي، حيث يوجد قرابة 70 صومعة حبوب موزعة في مختلف المناطق. ومع ذلك، تحتاج العديد من هذه الصوامع إلى صيانة فورية وعاجلة لاستثمار كامل طاقتها الاستيعابية.
أشار مدير المؤسسة أيضًا إلى استمرار استيراد القمح، حيث تم توقيع عقد لشراء 100 ألف طن، والإعلان عن شراء 100 ألف طن أخرى قريبًا، بالإضافة إلى نقل القمح من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
تشير التقديرات إلى أن الموسم قد ينتج حوالي 1.5 مليون طن، بينما تتراوح احتياجات سوريا بين 2.2 و 2.7 مليون طن سنويًا، وفقًا للتقديرات الحكومية. لكن تصريحات وزير الزراعة السابق ترفع الاحتياجات إلى 3.7 مليون طن سنويًا.
مع اقتراب موسم حصاد القمح لعام 2025، تتزايد التحديات التي تواجه عملية استلام المحصول، سواء على مستوى الفلاحين أو مراكز المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب. ويأتي هذا الموسم في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ومشاكل متراكمة في البنية التحتية، مع استمرار التفاوت في السيطرة الإدارية على مناطق الإنتاج.
أبرز ثلاثة تحديات غير سياسية تواجه عملية الحصاد والاستلام لعام 2025 تتمثل في: اللوازم اللوجستية لعملية الحصاد، توفير البنية التحتية للاستلام من صوامع مجهزة وآليات نقل، وتحديد سعر مشجع للفلاح وتأمين تسليمه التكلفة مباشرة.
أهم المستلزمات اللوجستية للحصاد هذا العام يتمثل في حماية المحصول من الحرائق، وتوفير الحصادات والمحروقات، وتسليم أكياس الخيش بسرعة للفلاحين، وتجهيز صوامع الحبوب لاستيعاب الكميات المتوقعة.
تمتلك سوريا بنية تحتية جيدة من الصوامع، ولكن العديد منها بحاجة إلى صيانة فورية. ويخشى من التخزين في العراء في حال عدم الجاهزية، مما قد يؤدي إلى تلف جزء من المحصول.
فاتورة شراء القمح كبيرة جدًا لناحية حاجتها للسيولة النقدية. وإذا افترضنا أن الحكومة ستشتري كل الإنتاج المقدر بمليون ونصف مليون طن على السعر المحدد العام الماضي، فإنها تحتاج لحوالي 8 تريليون ليرة سورية. وبالنظر لأزمة السيولة الحالية في البلاد، يثير هذا الرقم قلقًا بالغًا.
تدرك المؤسسة العامة للحبوب أهمية الاستعداد الجيد لهذا الموسم وحساسيته من أجل حماية الأمن الغذائي للسوريين. وقد عقدت المؤسسة اجتماعًا لمناقشة التفاصيل اللوجستية المتنوعة.
تحتاج الحكومة السورية إلى تشجيع الفلاح على تسليم المحصول من خلال سعر مغري ودفع مباشر وسريع. في العام الماضي، قدرت الحكومة سعر الكيلو بـ 5500 ليرة سورية، وقد استجرت كميات كبيرة من الفلاحين. لكن مع غلاء مدخلات العملية الزراعية هذا العام، يرى الفلاحون أن السعر المناسب هو بين 6000 و 6500 ليرة للكيلو غرام الواحد.
إن فاتورة شراء القمح كبيرة جدًا لناحية حاجتها للسيولة النقدية. وعلى الرغم من ذلك، فإن التكلفة بالعملة السورية تبقى أسهل من تكلفة الاستيراد.
في كل موسم قمح، يواجه الفلاحون مشكلات مكررة مع السلطات، ويطالبون بالتخلص منها هذا العام، مثل تأخر توفير السيولة المالية، والنقص في أكياس الخيش، ونقص سيارات الشحن، والحاجة لتوفير المحروقات.
يُعد موسم القمح في سوريا لهذا العام اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تجاوز أزماتها اللوجستية والإدارية والمالية. ويظل التنسيق مع الفلاحين، وتوفير الحوافز والتسهيلات، وتحديد سعر شراء مشجع، وتأمين مستلزمات الاستلام، أمورًا جوهرية لضمان استلام أكبر كمية ممكنة من المحصول.
يقترح الفلاحون تقديم تسهيلات لهم، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ومنح مكافآت للعمال المتميزين، واستثمار المقرات الفارغة التابعة للمؤسسة كمراكز مؤقتة إضافية، وتعزيز حملات التوعية الإعلامية.
من المخاطر المتوقعة لهذا العام استمرار تسرب كميات كبيرة من القمح إلى السوق السوداء أو التهريب، نظرًا لعدم سيطرة الحكومة على كامل الجغرافيا السورية واعتياد الفلاحين على بيع محاصيلهم بشكل حر.
يُعد موسم القمح في سوريا لهذا العام اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تجاوز أزماتها اللوجستية والإدارية والمالية. ويتطلب نجاح هذا الموسم استجابة سريعة وميدانية، لا تعتمد فقط على التخطيط المركزي، بل على آليات تنفيذ مرنة تتلاءم مع ظروف كل محافظة، مع تفضيل الشراء المحلي على الاستيراد الخارجي كلما أمكن ذلك.