الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 05:40 AM

ندوة في دمشق تفضح فظائع معتقلات النظام: شهادات حية تكشف عن سنوات العذاب

ندوة في دمشق تفضح فظائع معتقلات النظام: شهادات حية تكشف عن سنوات العذاب

دمشق-سانا: استضاف المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بدمشق مساء اليوم ندوة بعنوان "معتقلو النظام الأسدي بين معاناة الماضي وأمل الحرية المنشود"، وذلك ضمن سلسلة ندوات "ذاكرة الثورة الدمشقية" التي تنظمها مديرية الثقافة. وقد حضر الندوة عدد من المعتقلين المحررين الذين قدموا شهادات حية عن سنوات العتمة التي قضوها في سجون النظام البائد، مؤكدين على أهمية توثيق الذاكرة السورية باعتبارها الطريق الأول نحو تحقيق العدالة الانتقالية وبناء الدولة الجديدة.

شهادات مؤلمة من قلب الجحيم

استهل المعتقل السابق يحيى نشواتي حديثه برواية تفصيلية لمشاهد الإعدامات التي شهدها خلال فترة احتجازه في مشفى المزة العسكري، قائلاً: "الذاكرة لا تنسى، فصوت السلاسل ما زال يلاحقنا حتى بعد الخروج من السجن". وأشار إلى أن العشرات من المعتقلين كانوا يُعدمون يومياً دون محاكمات، في مشهد وصفه بـ "الموت اليومي الصامت" الذي لم ينجُ منه إلا القليل.

من المؤبد إلى الحرية

وفي شهادته، تحدث هاني مفضي عليوي، المعتقل المحرر من سجن صيدنايا، قائلاً: "خرجنا بالتحرير مع 1200 معتقل، وكأنها معجزة من الله بعد سبع سنوات من المعاناة والدعاء". وأضاف أنه اعتُقل في درعا بطريقة الخطف، ونُقل بين أفرع أمن النظام البائد حتى وصل إلى صيدنايا، وهناك حُكم عليه بالمؤبد مع الأشغال الشاقة، مستعيداً كيف كان السجانون يقولون لهم إنهم لن يخرجوا أحياء، لكن عدالة الله شاءت أن يخرج الأسير ويختبئ السجان. وأوضح عليوي، في حديث لمراسل سانا، أنه أسس مع عدد من رفاقه رابطة معتقلي الثورة السورية، بهدف جمع بيانات المحررين وتوثيق احتياجاتهم، ولا سيما أن الكثير منهم مصابون أو عاجزون عن العمل، معرباً عن أمله في أن تتاح لهم الفرصة للمساهمة في بناء الوطن، ومؤكداً على أن إحياء ذكرى المعتقلين هو واجب وطني، حتى لا تتكرر مأساتهم وإحياء لتضحياتهم في سبيل الحرية.

أمومة في السجن

كما قدمت فاطمة نكّاش من داريا، المعتقلة السابقة، شهادة مؤثرة عن تجربتها القاسية، قائلة: "اعتقلت من قبل الأمن العسكري أثناء عودتي من عملي، واقتادوني إلى الفرع 215، ذلك المسلخ البشري الذي لا ينسى أحد رائحته، وهناك وجهوا لي اتهامات باطلة بتفجير حواجز، وصدر ضدي حكم بالسجن المؤبد، وقضيت سبع سنوات من الصراخ والموت البطيء". وتابعت متأثرة: "كنت أرعى طفلاً اسمه محمد الديري كان عمره شهرين حين وصل إلى السجن وبقي معي لعامين، عاش فيهما الخوف والجوع معي، ثم أخذوه مني ولم أعرف مصيره حتى اليوم". وروت لحظة التحرير بدموع غالبة: "سمعنا إطلاق نار كثيف، والسجّانات يصرخن، ثم دخل علينا أحد الشباب وقال: (يا خالة اطلعي، سقط النظام). ركضنا إلى الخارج نهتف: يا سوريا حرة حرة، وسجدنا لله شكراً". وتوجهت فاطمة إلى السوريين بالقول: "أتمنى من الشعب أن يقف مع المعتقلين والمصابين، فقدت بيتاً وأبناء وشهيداً، ولا أطلب سوى حياة كريمة وأن نعيش بسلام مثل سائر البشر".

العدالة الانتقالية وحرية التعبير

في ختام الندوة، قدم الباحث باسل الحمصي، الذي أدار الندوة، مداخلة تناول فيها مفهوم العدالة الانتقالية، مؤكداً أن العدالة لا تقوم على الانتقام، بل على كشف الحقيقة والمصالحة وبناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد، وشدد على أن الإسلام صان كرامة السجين وحقوقه الإنسانية، فالسجن في جوهره إصلاح لا إذلال، والسجين لا يُحرم من حقوقه في العبادة أو العلاج أو صلته بأهله. وأضاف الحمصي في تصريح لـ سانا أن حرية التعبير هي الركيزة الأولى لبناء وعي وطني جديد، داعياً إلى فتح الأبواب أمام الشهادات والاعترافات، لأن المصارحة هي أول الطريق نحو المصالحة، وتوثيق شهادات المعتقلين واجب وطني وإنساني، ليس لاستحضار الألم، بل لحماية الأجيال المقبلة من تكرار المأساة، ولترسيخ ذاكرة وطنية تحفظ حق الضحايا وتُمهّد لبناء دولة تحترم كرامة الإنسان وحقه في الحياة والحرية.

مشاركة المقال: