دمشق-سانا بدأت الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا رسمياً المرحلة الأولى من عملها، حيث عقدت اليوم جلستها الثانية من المشاورات الوطنية في دمشق. وتهدف هذه المشاورات إلى تحديد ملامح عمل الهيئة وأولوياتها المستقبلية.
حضر الجلسة رئيس الهيئة، محمد رضا الجلخي، وأعضاء الفريق الاستشاري، بالإضافة إلى عدد من ذوي المفقودين والمفقودات، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وبمشاركة الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
أكد الجلخي في كلمته أن المشاورات تمثل إعلاناً رسمياً عن انطلاق المرحلة الأولى من خطة مؤسسية تتكون من ست مراحل، تهدف إلى تفعيل عمل الهيئة على أرض الواقع. وتشمل هذه المرحلة الاستماع إلى ذوي المفقودين والمفقودات، والتوثيق والبحث، مع التأكيد على التشاركية والمساءلة. وأشار إلى تشكيل فريق استشاري يضم ممثلين عن العائلات وخبراء وطنيين.
وشدد الجلخي على أن المهمة كبيرة وتحتاج إلى وقت وصبر وثقة متبادلة، ودعم من العائلات والحكومة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى الموارد والعمل الجماعي الدؤوب والالتزام بالشفافية وإعطاء احتياجات العائلات الأولوية، سواء من حيث الدعم النفسي أو المشورة القانونية أو المشاركة الفعلية في صنع القرار.
وأوضح أن هيئة المفقودين وهيئة العدالة الانتقالية تمثلان حجر الأساس في السلم الأهلي في سوريا، حيث تتولى هيئة المفقودين مهمة الدعم والتوثيق، وقد بدأت مشاورات مكثفة على مختلف المستويات واطلعت على تجارب العديد من الدول، وحاولت الوصول إلى مبادئ أساسية تحكم عملها، مثل التشاركية والشفافية والشمولية، إضافةً إلى المهنية والعلمية والواقعية والتكامل مع المؤسسات.
كما أشار الجلخي إلى وجود هيكلية إدارية مؤقتة مع مجلس استشاري لرسم السياسات، وخبراء وممثلين عن العائلات، مع وجود 5 قطاعات تنبثق عن مجلس الإدارة، وهي: التحقق والتوثيق، إدارة تحليل البيانات، دعم العائلات، بناء الشراكات، الكفاءة المؤسسية والمالية. وأضاف أن المشاورات ستُتبع بوضع الإطار القانوني والأخلاقي، ثم اختيار الكادر، ثم تحديد الإستراتيجيات النهائية، وأخيراً نشر التقرير العام الأولي.
من جانبه، أوضح رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، عبد الباسط عبد اللطيف، أن مسار العدالة الانتقالية بدأ عام 1945 في ألمانيا، ثم طُبّق في أكثر من 40 دولة، وقد اطلعت الهيئة على تجارب معظم هذه الدول للاستفادة منها. وأشار إلى أن مسار العدالة ينطلق باتجاهين: قضائي يمثل المساءلة والعدالة ويتعلق بمحاكمة المجرمين، وغير قضائي يتعلّق بتقصي الحقائق وجبر الضرر والتعويض، إضافة إلى حفظ الذاكرة الوطنية وسردية الواقع والإصلاح المؤسسي للسجون ودوائر الشرطة والأمن، وصولاً إلى المصالحة الوطنية والسلم الأهلي.
وأكد عبد اللطيف أن مسار العدالة الانتقالية شاق ومعقد، إذ يشمل فترة حكم النظام البائد منذ أكثر من خمسين عاماً، بما في ذلك المجازر التي ارتُكبت في حماة وحلب وجسر الشغور وسجون تدمر، إضافةً إلى ما حصل خلال سنوات الثورة. وأضاف أنه خلال الشهر والنصف الماضيين، عقدت الهيئة عدة لقاءات مع أكثر من 40 منظمة مجتمع مدني، محلية وأجنبية، كما تم وضع النظام الداخلي، فيما سيُعلن عن هيكلية الهيئة خلال أيام.
بدورها، أوضحت المستشارة الإعلامية في الهيئة الوطنية للمفقودين، زينة شهلا، أن التحديات التي تواجه عمل الهيئة هائلة، إذ تتضمن البحث عن مئات الآلاف من المفقودين، وكيفية الوصول إلى آخر تواصل معهم، إضافة إلى وجود عدد كبير من الوثائق، سواء في المشافي أو الأفرع الأمنية أو السجون، مع وجود مقابر جماعية، فضلاً عن تحليل الحمض النووي ووضعه في قاعدة بيانات، وهو ما يتطلب العمل لسنوات طويلة.
وأكدت شهلا أن عمل الهيئة يشمل البحث عن جميع المفقودين على أراضي سوريا، الذين فُقدوا على أيدي أي طرف خلال السنوات الماضية، بمن فيهم السوريون الذين فُقدوا خارج سوريا، وغير السوريين الذين فُقدوا داخلها. وأشارت إلى أن الاستشارات ستمتد إلى جميع المحافظات السورية، وستكون هناك مراكز للهيئة فيها لتلقي البلاغات، إضافةً إلى وجود تواصل مع العائلات خارج سوريا.
يذكر أن أول جلسة لعائلات المفقودين والمفقودات مع رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين وأعضاء من الفريق الاستشاري للمشاورات الوطنية لدعم صياغة تفويض الهيئة قد انطلقت أمس في دمشق.