أنطاكية 1098: كيف فتحت الخيانة بوابة الشام أمام الصليبيين؟

كان احتلال الصليبيين لمدينة أنطاكية في 3 يونيو عام 1098 خلال حملتهم الأولى، درسا كبيرا في التاريخ عن آثار الحصار والجوع والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الخيانة. بدأ الصليبيون في حصار مدينة أنطاكية المحصنة بأسوارها البيزنطية المنيعة وأبراجها الـ 400، في 21 أكتوبر 1097. هذه المدينة بموقعها الاستراتيجي، بوابة طريق يمتد من آسيا الصغرى إلى فلسطين، ومن يسيطر عليها يتحكم في هذا الطريق المؤدي إلى سوريا وفلسطين.

الصليبيون في ذلك الوقت كانوا في أمس الحاجة للسيطرة على أنطاكية أيضا لتأمين خطوط إمداداتهم ومنع وقوع هجمات على خطوطهم الخلفية أثناء زحفهم نحو القدس. كانت المدينة يسيطر عليها السلاجقة وكان أميرها مؤيد الدين ياغي سيان بن ألب يتوقع هجوم الصليبيين. احتاط للأمر بتخزين الطعام وقام بإرسال أبنائه إلى الأمراء الآخرين في منطقة الشام وبلاد الرافدين طلبا للنجدة. قرر قادة هذه الحملة الصليبية عدم المجازفة باقتحام المدينة الحصينة، ويدلا من ذلك قاموا بحصارها وعزلها عن محيطها ومنعوا وصول المؤن إليها سعيا إل إجبار أهلها على الاستسلام.

الحصار طال نتيجة تنافس قادة الصليبيين. كل واحد من هؤلاء سعى إلى أن يكون صاحب الفضل في السيطرة على المدينة. لم يكن الحصار محكما ولم يطل بوابات في الجنوب والشرق ما سمح للمدافعين بتلقي بعض الإمدادات. كاد الحصار أن يكون كارثة على المهاجمين. عانى الصليبيون من نقص الغذاء، ومع حلول الشتاء زادت الأزمة مع انخفاض الإمدادات القادمة من البحر. تحول نقص الطعام إل مجاعة بحلول ديسمبر 1097، ومات واحد من كل سبعة صليبيين جوعا. ذُكر أن الصليبيين أكلوا الأحزمة الجلدية ولحاء الأشجار، وتحدثت روايات عن أكل البشر وطبخ قطع من لحوم المقاتلين الأعداء القتلى وكذلك أكل لحم الخيول. كما جرى الحديث عن تزايد حالات الفرار في معسكر الصليبيين.

أحد القادة الصليبيين ويدعى “ستيفن بلوا”، نقل في رسالة بعثها إلى زوجته الوضع خلال فصل الشتاء تحت جدران أنطاكية المنيعة قائلا: ” لقد استهلك الكثيرون بالفعل كل إمداداتهم.. عدد غير قليل من الفرنجة لقي حقا الموت السريع من الجوع وأموالنا لم تنقذهم. امام مدينة أنطاكية عانينا طوال فصل الشتاء من الصقيع المفرط والأمطار الرهيبة”.

خيانة حلت جميع مشاكل الصليبيين، ولعبت دورا محوريا في احتلالهم للمدينة المنيعة. تفاوض قائد الصليبيين “بوهيموند من تارانتو” مع “فيروز”، وهو قائد أحد أبراج أنطاكية “برج الأخوات السبع”. كان هذا الرجل ناقما على ياغي سيان، أمير المدينة السلجوقي لمعاقبته له وقرر الانتقام. مقابل مبلغ من المال وافق على فتح البوابات للصليبيين وتمكينهم من الوصل إلى البرج. في الساعة الثالثة فجرا من يوم 3 يونيو 1098، صعد حوالي 60 من جنود بوهيموند سلما للوصول إلى البرج الذي يقود الدفاع عنه فيروز. لكن السلم انكسر بعد أن تمكن من الصعود أول المقاتلين. هؤلاء سيطروا على البرج بتواطؤ الخائن فيروز، وتمكنوا من فتح البوابات المجاورة وانهارت دفاعات المدينة. تمكن الصليبيون من اقتحام بوابات المدينة فيما كان معظم السلاجقة المدافعين غافلين. أعطى الأوائل الإشارة، فاندفعت قوات الصليبيين إلى داخل انطاكية. ذبحوا الأهالي من المسلمين والمسيحيين الشرقيين دون تمييز فيما فر الأمير ياغي سيان مع حراسه، ثم قطع رأسه لاحقا على يد سكان محليين. في ذلك الوقت تمكن أحد أبناء الأمير من الاحتفاظ بإحدى القلاع بقوات النخبة لفترة من الوقت.

مصير الخائن فيروز: نال فيروز المكافأة التي وعده بها بوهيموند. تحول الخائن إلى دين أسياده الجدد وتم تعميده تحت اسم راعيه بوهيموند. انضم في وقت لاحق إلى قوات الصليبيين في زحفها إلى القدس. فعل كل ذلك على الرغم من أن شقيقه كان قتل في المذبحة التي نفذها الصليبيون في شوارع أنطاكية. فيروز الى أصبح “بوهيموند” الجديد بعد انتهاء الحملة الصليبية الأولى خابت آماله وفشل في أن يصبح ثريا كما كان يرجو. قيل إنه ترك المسيحية وعاد إلى الإسلام، ثم انقطعت أخباره ولم يُعرف مصيره.

المصدر: RT