شهد المجتمع السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011 تحولات عميقة طالت مختلف جوانب الحياة، كان من أبرزها التغيرات في التركيبة الطبقية. فقد ظهر نموذجان اقتصاديان متناقضان بشكل حاد: طبقة ثرية مترفة وطبقة فقيرة تعاني. هذا التباين، الذي قد يبدو مبرراً في ظل الحروب والثورات، خاصة عند مواجهة نظام إجرامي كنظام الأسد، يصبح غير مقبول إذا استمر بعد التحرير والنصر.
إن الحديث عن مجتمع خالٍ من الطبقات تماماً هو فكرة مثالية يصعب تحقيقها. فالتجارب التاريخية والواقع المعيش، حتى في أكثر الدول والمجتمعات الإسلامية عدلاً، تؤكد أن وجود الطبقات أمر طبيعي في البناء الاجتماعي. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الفجوة الكبيرة بين الطبقة الغنية والفقيرة، وفي الآليات التي تسمح للأغنياء بتكديس الثروات بينما يزداد الفقراء فقراً ومعاناة.
هنا تبرز أهمية الطبقة المتوسطة كضرورة استراتيجية وليست مجرد ترف اجتماعي. فهي الطبقة التي تحقق التوازن بين أطراف المجتمع، وتمنع استغلال الطبقة البرجوازية لموارد الدولة، كما تساهم في تقليل حجم الطبقة الفقيرة من خلال توفير فرص العمل وتحريك الاقتصاد.
يكمن دور الطبقة المتوسطة في نهضة المجتمع في كسر الاحتكار الاقتصادي، من خلال دخول أبنائها مجال المشروعات والاستثمارات. كما تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية التدريجية، حيث تنتقل شريحة من الفقراء إلى الطبقة المتوسطة بفضل التعليم والفرص العادلة، مما يقلل من نسبة الفقر بشكل عام. وتعزز الطبقة المتوسطة الاستقرار السياسي والاجتماعي، فكلما اتسعت، تعززت المشاركة السياسية، وتراجع الاستقطاب الحاد الذي غالباً ما يؤدي إلى توترات اجتماعية.
من أهم السياسات التي تساهم في بناء طبقة متوسطة قوية هي رفع رواتب العاملين في الدولة، بما يضمن لهم مستوى معيشة لائقاً، ويتيح لهم الادخار، مما يعزز قدرتهم على تأسيس مشروعاتهم الخاصة في المستقبل. وكذلك تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة من خلال توفير قنوات تمويل قانونية وميسرة، وتقديم الدعم الفني والتدريبي لأصحاب الأفكار الإنتاجية.
إضافة إلى ذلك، يجب دعم القطاع الزراعي من خلال تمويل المزارعين، وتوفير شبكات لتسويق المنتجات داخل البلاد وخارجها، بما يضمن دخلاً ثابتاً ومستداماً. كما أن التركيز على التعليم والتأهيل المهني أمر أساسي وضروري، فالتعليم هو السلم الأول للصعود الطبقي، وكلما توفرت بيئة تعليمية عادلة ومجانية ومهنية، زادت فرص تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن بناء الطبقة المتوسطة ليس قراراً سريعاً أو إجراءً فردياً، بل هو مسار استراتيجي يتطلب سياسات واضحة وتخطيطاً طويل الأمد. ولكن يجب البدء الآن في رسم ملامح هذه الطبقة، وتوفير البيئة المناسبة لنموها وتطورها. فالنهضة الحقيقية لا تتحقق إلا إذا انخفض الفقر إلى أدنى مستوياته، وأصبح الغنى مشروعاً في أسبابه ومسؤولاً في نتائجه، والطريق إلى ذلك يمر حتماً عبر بناء طبقة متوسطة فاعلة تحمل على عاتقها همّ الوطن، وتؤمن بضرورة توازنه ونهضته.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية