الخميس, 3 يوليو 2025 02:00 PM

المونة في دير الزور: تراث يواجه تحديات الكهرباء والحرارة ويثير مخاوف الاندثار

المونة في دير الزور: تراث يواجه تحديات الكهرباء والحرارة ويثير مخاوف الاندثار

تعتبر صناعة "المونة" الصيفية في دير الزور من العادات البارزة المتجذرة في المجتمع المحلي، خاصةً بين النساء اللاتي يرين فيها موروثًا ثقافيًا تتوارثه الأجيال، تجسيدًا للعمل والاعتماد على الذات، وتأسيسًا لنمط غذائي شتوي يعتمد على إنتاج وحفظ الصيف. مع ارتفاع حرارة الصيف، تبدأ سيدات دير الزور، خاصةً في الريف، رحلة إعداد المونة التي تشمل الجبنة البلدية، المخللات، المربيات، المكدوس، دبس الفليفلة، الزيتون المتبل، بالإضافة إلى البازلاء والملوخية والفول المجمد. يتميز كل صنف بطقوس تحضير خاصة تنقلها النساء كما ورثنها عن الجدات.

تحديات الحر وانقطاع الكهرباء تهدد العادة القديمة

رغم عمق هذه العادة، تواجه المرأة الديرية تحديات قاسية بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية، أبرزها انقطاعات الكهرباء الطويلة وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر مباشرةً على سلامة حفظ المواد الغذائية، خاصةً تلك التي تعتمد على التبريد.

تقول جميلة صبري الحميد، من ريف دير الزور: "بدأت ككل عام بتحضير الجبنة والمخللات ودبس الفليفلة، ولكن بسبب الحرارة الشديدة وانقطاع الكهرباء، تلفت كميات كبيرة من البازلاء والفول واضطررت إلى رميها للحيوانات، وهو أمر محزن جدًا، خاصة مع ارتفاع أسعار الخضروات". وتضيف: "المونة ليست مجرد وسيلة اقتصادية، بل عادة اجتماعية وركيزة من ركائز حياتنا الديرية، ومرتبطة ارتباطًا وجدانيًا بثقافتنا وذاكرتنا الجمعية".

براعة متوارثة في إعداد المونة والضغط النفسي

تؤكد زهرة العبد، من النساء البارعات في صناعة المربيات، أن صناعة المونة تمثل فخرًا محليًا ومهارة شخصية، قائلة: "أمتلك خبرة طويلة في إعداد المربيات، وأدرك أن بعض أنواعها تحتاج إلى تبريد سريع، لذلك أستخدم أواني صغيرة أو فخارية لتساعدني في الحفظ. لكن الانقطاعات الكهربائية تشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا وتهدد كل الجهد المبذول".

وترى زهرة أن هذه الحرفة ليست مجرد إعداد للطعام، بل "فن يعبر عن الهوية المحلية، ويجسد الترابط الاجتماعي بين النساء، حيث تتبادل السيدات الخبرات والمهارات في تحضير المواد المختلفة، ويتنافسن في جودة الطعم والنكهة".

موروث مهدد بالاندثار

مع ارتفاع تكاليف تشغيل المولدات الكهربائية وعدم توفر البدائل المناسبة، تبدو صناعة المونة اليوم على مفترق طرق، بين الحفاظ على هذه العادة العريقة بما تمثله من إرث ثقافي واجتماعي، أو تراجعها أمام التحديات المعاصرة.

وتختتم زهرة حديثها بالقول: "حين تجبر المرأة على رمي ما صنعته بيديها طوال أيام، لا تكون الخسارة مادية فقط، بل نفسية ومعنوية أيضًا. المونة بالنسبة لنا ليست طعامًا يخزن فحسب، بل قطعة من ذاكرتنا المتجذرة، وتعبير عن قيمنا وحياتنا الديرية".

مشاركة المقال: