في تحول لافت يعكس ديناميكيات الاستثمار المتغيرة في منطقة الخليج، كشفت بيانات حديثة من منصة "MEED" نقلتها وكالة بلومبرغ، عن تفوق دولة الإمارات العربية المتحدة على المملكة العربية السعودية في حجم مشروعات البناء التي تم إسنادها منذ بداية عام 2025. فقد فازت الإمارات بعقود تقدر قيمتها بنحو 31 مليار دولار، متجاوزة بذلك السعودية التي منحت مشروعات بقيمة 20.6 مليار دولار.
وإذا استمر هذا الاتجاه حتى نهاية العام، فسيمثل هذا أول مرة تتقدم فيها الإمارات على المملكة في هذا القطاع منذ عام 2018.
هذا التحول لا يقتصر على الأرقام، بل يعكس اختلافات في الرؤى الاقتصادية وتوقيت الاستثمارات. فبينما تواصل الإمارات تنفيذ مشروعات طموحة في قطاعات البنية التحتية والعقارات، يبدو أن السعودية تتخذ نهجًا أكثر حذرًا في الإنفاق، في إطار مراجعة شاملة لأولوياتها التنموية، وتأثرًا بضغوط التمويل والتحديات المتزايدة في تكلفة المشاريع.
وفي تعليقه على التقرير، أوضح الخبير الاقتصادي بلال شعيب في حديث لـ"النهار" أن السعودية تعيد حاليًا "ترتيب أولوياتها الاستثمارية". فبعد موسم الحج وما سبقه من ترتيبات ومشاريع تطوير للبنية التحتية، تركز المملكة بشكل خاص على الاستعدادات لاستضافة فعاليات كبرى مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في 2029 وكأس العالم لكرة القدم في 2034. ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الاستعدادات إلى "إعادة توجيه الموارد نحو مشروعات تتعلق بالبنية التحتية الرياضية والضيافة والسياحة، والتي غالباً ما تُمنح عقودها في مراحل متأخرة، مع اقتراب مواعيد التنفيذ".
في المقابل، يبدو أن الإمارات اختارت الحفاظ على زخمها في مشاريع البناء، مدفوعة باستقرار اقتصادي نسبي، وثقة مستمرة من المستثمرين المحليين والدوليين – خصوصا الأوروبيين منهم – وبيئة قانونية وتشريعية مشجعة.
ويرى شعيب أن هذا التوجه "عزز موقع الإمارات كوجهة استثمارية نشطة في مجالات التطوير العقاري والتوسع الحضري والمشاريع اللوجستية، في وقت تتباطأ فيه وتيرة البناء في عموم منطقة الخليج نتيجة التحديات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار المواد الخام".
وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها دول الخليج، لا سيما بفعل أسعار النفط التي لا تزال دون المستوى اللازم لتحقيق التوازن في الموازنات العامة، بحسب شعيب، ما يضع المزيد من الأعباء على سياسات الإنفاق الحكومي، ويدفع بعض الدول إلى إعادة هيكلة برامجها الاستثمارية، أو تأجيل بعض المشاريع مؤقتاً.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من تراجع حجم العقود السعودية في النصف الأول من العام، فإن المملكة ما زالت تحتفظ بأكبر محفظة مشاريع غير منفذة في المنطقة، بقيمة تتجاوز 1.6 تريليون دولار، ما يعكس طموحاً طويل المدى في إطار رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
كما أن المملكة قد تعود بقوة في النصف الثاني من عام 2025، يقول الخبير الاقتصادي، "مع ترسية عقود جديدة تتعلق بملاعب ومنشآت رياضية واستضافة كأس العالم، إضافة إلى دفع مراحل جديدة من المشاريع العملاقة مثل "نيوم"، و"القدية"، و"الدرعية"، و"البحر الأحمر"، التي لا تزال تمثل حجر الزاوية في خطة التحول الوطني".
في المجمل، يعكس تقدم الإمارات على السعودية في مشروعات البناء لهذا العام نقطة تحول رمزية في سباق التطوير الخليجي، لكنها لا تشير بالضرورة إلى تغيير دائم في موقع الريادة، بل إلى اختلاف في مراحل التنفيذ وتوزيع الأولويات بين دولتين تسعيان، كل بطريقته، إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.