أعلن محافظ مصرف سوريا المركزي، السيد عبد القادر حصرية، في تصريح لصحيفة "فايننشال تايمز" عن توجه البلاد نحو تطبيق نظام "التعويم المدار" لليرة السورية. تهدف هذه الخطوة بشكل أساسي إلى تقليل دور الصرافين في سوق الصرف، و"تمرير جميع عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي"، مما يلغي هامش الربح الذي كان يحصل عليه الصرافون، والذي وصفه حصرية بأنه "40 سنتًا عن كل دولار يدخل سوريا".
ما هو "التعويم المدار"؟ ولماذا الآن؟
التعويم المدار هو نظام يمثل حلاً وسطاً بين سعر الصرف الثابت والحر. يسمح هذا النظام بتقلب العملة وفقاً للعرض والطلب، مع احتفاظ البنك المركزي بحق التدخل لضبط التقلبات أو توجيه سعر الصرف. تتم هذه التدخلات عادةً عبر بيع وشراء العملات الأجنبية، مما يجعل توفر احتياطيات أجنبية كافية أمراً ضرورياً لنجاح هذه السياسة. يهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين مرونة سعر الصرف واستقراره، مما يساعد العملة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية وتمكين البنك المركزي من الحد من التقلبات المفرطة التي تضر بالاستقرار الاقتصادي والتجارة والاستثمار.
تحديات أمام التعويم المدار في سوريا
على الرغم من الأهداف المعلنة، يواجه تطبيق التعويم المدار في سوريا تحديات كبيرة. يرى خبراء اقتصاديون أن فعالية هذا النظام تعتمد على عدة شروط قد لا تتوفر حالياً في البيئة السورية، ومنها:
- قوة البنك المركزي واستقلاليته.
- توفر احتياطيات كافية من العملات الأجنبية.
- وجود سياسات نقدية ومالية متسقة وشفافة.
- بيئة اقتصادية مستقرة نسبياً.
كما أن "الاقتصاد الذي يعاني من اختلالات هيكلية أو صدمات متكررة سيكون عرضة لتقلبات حادة في سعر الصرف، مما يجعل إدارة التعويم المدار أمراً صعباً للغاية". يتطلب نجاح هذه السياسة أيضاً وجود نظام مالي قوي وشفاف، ورقابة فعالة، بالإضافة إلى إصلاحات هيكلية مستمرة لتحسين بيئة الأعمال وزيادة الإنتاجية. والأهم من ذلك، بناء ثقة المستثمرين والمواطنين في السياسات الاقتصادية من خلال الشفافية والمصداقية والالتزام بالوعود.
أدوات البنك المركزي في التعويم المدار
يعتمد نجاح التعويم المدار على قدرة البنك المركزي على استخدام أدوات نقدية واقتصادية لضبط السوق. تشمل أبرز هذه الأدوات:
- عمليات السوق المفتوحة: بيع وشراء العملات الأجنبية لدعم أو خفض قيمة العملة المحلية.
- تغيير أسعار الفائدة: لجذب أو طرد رؤوس الأموال الأجنبية.
- الضوابط الرأسمالية: قيود على دخول وخروج الأموال للحد من التقلبات الحادة.
- التواصل والإرشاد: توجيه توقعات السوق عبر الشفافية في إعلان الأهداف والسياسات.
- تنظيم سوق الصرف الأجنبي: وضع قواعد لضمان الشفافية ومنع التلاعب.
تأثيرات متوقعة: بين الإيجابيات والمخاطر
من المتوقع أن يحمل تطبيق التعويم المدار تأثيرات محتملة على الاقتصاد السوري:
- استقرار سعر الصرف: يقلل من حالة عدم اليقين ويسهل التخطيط الاقتصادي.
- الحد من السوق السوداء: توجيه التعاملات المالية نحو القنوات الرسمية.
- مكافحة التضخم: استقرار سعر العملة يقلل من تكلفة السلع المستوردة.
- جذب الاستثمارات: بيئة أكثر استقراراً لسعر الصرف قد تجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة مع احتمال إعادة ربط سوريا بنظام سويفت.
- مكافحة غسل الأموال: دعم جهود مكافحة غسل الأموال عبر القنوات الرسمية.
لكن في المقابل، توجد مخاطر كبيرة:
- استنزاف الاحتياطيات الأجنبية: التدخل المستمر قد يستنزف الاحتياطيات المحدودة.
- الحاجة لمؤسسات نقدية قوية: تحدي بناء وتطوير مؤسسات قادرة على إدارة السوق بفعالية.
- مخاطر التقلبات غير المرغوبة: قد تحدث تقلبات حادة في حال عدم قدرة البنك المركزي على التدخل، أو في حال سوء التنفيذ، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم وتآكل ثقة الجمهور.
في الختام، يمثل التعويم المدار خطوة مهمة للبنك المركزي السوري نحو إدارة أكثر مرونة لسعر الصرف. لكن نجاحها في السياق السوري يعتمد بشكل حاسم على توفر الشروط الاقتصادية الأساسية وقدرة البنك المركزي على إدارة تدخلاته بفعالية.