في صالة المصرف العقاري بدمشق، بالقرب من ساحة يوسف العظمة، يتكدس يوميًا آلاف المواطنين في طوابير طويلة أمام ما يقارب عشرة صرافات، على أمل قبض تعويضاتهم الشهرية. تمتد صفوف النساء، التي خُصصت حديثًا، إلى خارج الباب لتشغل الرصيف، وقد ينتظر البعض ثلاث ساعات قبل الوصول إلى الصراف، ما لم يجبرهم التعب على المغادرة وتكرار المحاولة في أيام أخرى.
تتجاوز أعمار ما بين نصف وثلثي المنتظرين الستين عامًا، وهم من المتقاعدين في سوريا. انتظرت مراسلة عنب بلدي حوالي أربع ساعات للحصول على راتب والدها السبعيني، المتقاعد منذ عام 2009. غالبًا ما تتساءل عن كيفية تحمل جدها المتقاعد هذا العناء سابقًا، وتلاحظ الذل والندم على وجوه كبار السن.
سناء أحمد، ممرضة لبنانية من أم سورية، قدمت إلى سوريا بعد أحداث صيف 2024 في لبنان.
راتب ومنحة وصراف بطيء
يتقاضى المتقاعدون في سوريا حوالي 300 ألف ليرة سورية شهريًا كتعويض عن سنوات خدمتهم في القطاع الحكومي قبل التقاعد. وقد تغيرت مواعيد صرف الرواتب بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024.
تزامن صرف راتب حزيران مع منحة رئاسية بقيمة 300 ألف ليرة سورية بمناسبة عيد الأضحى، لكن الفرحة كانت ممزوجة بالمعاناة. لا يمكن الوقوف في الطوابير دون سماع تذمر حول الوقت الذي يستغرقه الصراف لإتمام عملية السحب. استغرق الحصول على 600 ألف ليرة سورية (راتب ومنحة) حوالي خمس دقائق على ثلاث دفعات، حيث لا يسمح بسحب أكثر من 200 ألف ليرة سورية في العملية الواحدة. في كثير من الأحيان، يتولى البعض مساعدة كبار السن في السحب لتوفير الوقت.
فدوى محمد، مدرسة رياضيات متقاعدة من ريف دمشق الغربي، اضطرت للعودة خالية الوفاض مرتين هذا الشهر بسبب عدم قدرتها على الوقوف لساعات طويلة، وأمراضها الناتجة عن عملها السابق كمدرسة. تعتمد على الدروس الخاصة لتدبير أمورها.
انتظار يكلله الشجار والدعوات
العرف السائد في صالة الصرافات يمنع استخدام أكثر من بطاقة واحدة. وفي حال حاول أحدهم الاحتيال، تتعالى الأصوات مستنكرة هذا التصرف. عاينت مراسلة عنب بلدي حوالي سبعة شجارات خلال فترة انتظارها، وصل اثنان منها إلى حد الاشتباك بالأيدي. كما تم استخدام ألفاظ نابية تعبيرًا عن الغضب والحاجة والخوف من نفاد الأموال في الصراف، مما يزيد فترة الانتظار ريثما يقوم الموظف بتعبئته مرة أخرى. في أماكن أخرى بعيدة عن المركز الرئيس، يزداد الوضع سوءًا نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ.
يبدأ المحظوظ الذي اقترب دوره بتلاوة آيات قرآنية والدعاء لعدم توقف الصراف قبل حصوله على المال، بينما يدعو المنتظرون بالسلامة والرزق لمن سحب رصيده، ويرد الأخير بالشكر والدعاء لهم.
لا تقتصر الشجارات والألفاظ النابية على الرجال، فالجميع ينسى نوع جنسه وصفاته في سبيل الحصول على تعويضه الشهري، الذي يسد بعض الحاجيات كالدواء والخبز. الخوف من العودة بدون المال يحولهم إلى أشخاص عدائيين، فصاحب الحاجة أرعن. أحمد صالح، موظف حكومي حالي، يساعد كبار السن أمام أحد الصرافات.
مخاوف مرتقبة بعد الزيادة.. شكوك بالوعود الحكومية
في 22 حزيران، صدر مرسوم بزيادة الرواتب بنسبة 200%، بما في ذلك رواتب المتقاعدين. وبذلك يصل راتب المتقاعد إلى 900 ألف ليرة سورية، ولكن يبقى التحدي في كيفية الحصول على هذا المبلغ في ظل القيود المفروضة على السحب، حيث لا يسمح بسحب أكثر من 600 ألف ليرة في الأسبوع الواحد.
ورغم الوعود الحكومية بتسهيلات مقبلة، شكك البعض في مصداقية هذه الوعود في ظل الأوضاع الحالية في سوريا. يرون أن الحل يكمن في زيادة عدد الصرافات وتوزيعها في الأرياف، واستبدالها بصرافات أكثر تطورًا وسرعة، أو وضع آلة بجانب كل صراف لإعطاء رقم الدور، مما يسمح لهم بترك المكان والعودة لاحقًا، وتسهيل الأمر على القادمين من مناطق بعيدة.
يحصل المتقاعدون في سوريا على تعويضهم الشهري عبر صرافات المصرف العقاري أو التجاري، أو عبر الكوات الموجودة في مراكز البريد التابعة لوزارة الاتصالات.
دمشق.. موظفون يعانون للحصول على رواتب