تعتبر مزارع شبعا قضية شائكة ومستمرة تشهد تبدلاً في الأنظمة والعقود، إلا أنها لا تزال موضع نزاع مستمر. وقد أثار موقف حديث للنائب جميل السيد تساؤلات حول تبعية هذه المزارع، حيث ذكر أن "قسماً من مزارع شبعا لبناني وقسم آخر سوري".
المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة يؤكد لـ"النهار" أن "مزارع شبعا لبنانية لأنها تتصل بالحدود اللبنانية مع سوريا، لا مع فلسطين. هذا الأمر مثبت بالوثائق التاريخية، إضافة إلى محضر القاضيين العقاريين اللبناني رفيق غزاوي والسوري عدنان الخطيب في شأن بلدة شبعا ومزارعها، والموقع في زحلة في تاريخ 20 شباط/فبراير 1946. هناك اتفاق ترسيم حدود في شبعا بيننا وبين سوريا، فلماذا لا يتم إبرازه؟ ولماذا يستمرون في التساؤل عما إذا كانت المزارع سورية أو لبنانية، وينتظرون الآخرين؟!"
ويضيف خليفة، الذي يعتبر خبيراً في هذا الشأن، أنه يتحدث بلغة الوثائق والمستندات، ويكشف أنه سلم ملفاً كاملاً إلى الحكومة اللبنانية ورئيسها نواف سلام، مؤكداً أن "الملف بات عنده، وبناء على طلبه. الأمر واضح".
كما يشير إلى وجود "جانب إيديولوجي تاريخي"، موضحاً أن "كل شيء سياسة: من هو مع المقاومة يقول إنها لبنانية مئة في المئة، ومن هو ضدها، يقول إنها ليست لبنانية لعدم تبرير تحريرها بالسلاح. ولكن لا بد من الانطلاق من معادلة مهمة هي الفصل بين لبنانية المزارع ووسائل استعادتها. هذا الفصل هو نقطة الانطلاق للحل النهائي".
وعن وسائل استعادة المزارع، يرى خليفة أن "المطلوب عصب وطني لتقديم هذا الملف إلى الأمم المتحدة، وعندها الوثائق هي التي تحكم وتتكلم".
ويؤكد أن "المزارع وقرية النخيلة هي داخل الأراضي اللبنانية منذ قيام لبنان الكبير"، وأن "لبنانية المزارع محسومة، فهي منذ المرحلة العثمانية جزء من شبعا ووحدتها العقارية. صكوك الدولة العثمانية تؤكد انتساب المزارع إلى قضاء حاصبيا. وعام 1920 ذكر قرار الجنرال غورو أن حدود لبنان هي حدود قضاءي حاصبيا ومرجعيون".
من جهته، يقدم العميد الركن المتقاعد الدكتور نزار عبد القادر قراءة أخرى للمسألة، انطلاقاً من خبرته العسكرية الميدانية، حيث يتحدث عن حقبتين أساسيتين: "في الأصل، لم تكن هناك مشكلة حول مزارع شبعا، على الرغم من أن الجانبين اللبناني والسوري لم يصلا حينها إلى أي قرار حاسم. منذ الخمسينيات، اعتُبرت معظم مزارع شبعا داخل خط الحدود من الجهة السورية".
ويضيف: "مرت الأعوام، ودخلنا في زمن الوصاية السورية. يومها، استحضر النظام السوري قضية المزارع واستعملها حجة لإبقاء سلاح "حزب الله"، بعد الانسحاب الإسرائيلي في أيار/مايو 2000. هكذا، اعتبرت المزارع لبنانية ومحتلة، وبالتالي لم يشملها القرار الدولي 425، مما برر مطلب تحريرها عبر سلاح حزب الله".
ويكشف عبد القادر رواية يرويها بالتفصيل: "كان يومها المدير العام للامن العام اللواء جميل السيد عائداً من زيارة لدمشق، فاتصل برئيس مصلحة الجغرافيا في الجيش اللبناني العميد مارون خريش، وطلب منه الحضور إلى مكتبه، وأبرز له خريطة عليها حدود جديدة لهذه المنطقة (جبل الشيخ)، وطلب منه إتلاف كل الخرائط التي تتعارض معها، واعتماد تلك الجديدة منها. ومذذاك، اعتبرت كما لو أنها لبنانية، فيما كل المباحثات السابقة التي تعود إلى الخمسينيات توحي أن لبنان يعترف بسوريتها".
ويفصل بين الملكية الخاصة والهوية الوطنية، موضحاً أن "الملكيات الخاصة لعدد من أهالي شبعا ضمن المزارع هي حجج ملكية تعطي دليلاً على الملكية الخاصة لعدد منها، إلا أنها لا تعطي المزارع الهوية الوطنية اللبنانية. ثمة تمييز فاضح بين الأمرين".
وعن الحل، يجيب: "لا بد من حوار بين الطرفين اللبناني والسوري، على أن يكون مدعوماً بآراء خبراء ومستنداً إلى خرائط حتى يصار إلى تحديد الخط الفاصل بين البلدين، فيعود إلى سوريا ما لها وإلى لبنان ما له".