شهد سجن رومية المركزي في لبنان، وهو الأكبر في البلاد، حادثة مأساوية تمثلت في انتحار سجين شنقاً، مما أعاد تسليط الضوء على الأوضاع المتردية داخل السجون اللبنانية، وخاصة الإهمال الصحي وتأخر المحاكمات. وقد انتشرت في البداية أخبار غير دقيقة عن انتحار سجين آخر، لكن تبين لاحقاً أنه لا يزال على قيد الحياة.
السجين المتوفى هو محمد فواز الأشرف، المعروف باسم محمد مالك، وهو سوري الجنسية ويبلغ من العمر 40 عاماً. كان موقوفاً منذ حوالي سنتين ونصف السنة دون أن تُعقد له أي جلسة محاكمة. عُثر عليه مشنوقاً في مطبخ السجن، وأكدت مصادر أمنية وطبية أن الحادثة هي انتحار.
تشير المعلومات إلى أن الأشرف كان يعاني من مرض الصدفية الجلدي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وقد تفشى المرض في جسده بالكامل، مما سبب له آلاماً جسدية ونفسية شديدة. وعلى الرغم من شرائه الدواء اللازم على نفقته الخاصة من داخل دكان السجن، إلا أن إدارة السجن لم تسمح بإدخال العلاج أو تسهيل وصوله إليه، مما أدى إلى تفاقم حالته الصحية والنفسية.
الأشرف، القادم من مدينة حمص السورية، كان يعيش عزلة شبه تامة داخل السجن، إذ لا يوجد لديه أقارب في لبنان، وزوجته من جنسية أجنبية، مما جعله يواجه المرض والسجن والانتظار بمفرده. ووفقاً للمصادر، فإن كل ذلك أدى إلى إقدامه على إنهاء حياته.
في غضون ذلك، انتشرت أنباء عن انتحار سجين آخر يدعى علي عواضة، وهو رجل مسن من منطقة البقاع، قضى حوالي ثلاثين عاماً في السجن. ذكرت المعلومات أنه حقن نفسه بإبرة هواء في الوريد، مما أدى إلى وفاته. إلا أن هذه الأنباء تبين لاحقاً أنها غير دقيقة. ونفى مصدر أمني في حديث لـ "العربي الجديد" صحة خبر وفاة عواضة، مؤكداً أن السجين لا يزال على قيد الحياة ويتلقى علاجاً دورياً بسبب إصابته بأمراض تنفسية، من بينها الربو، وهو معروف بأنه "مدخن شره".
وأضاف المصدر أن "السجناء في رومية يتلقون علاجاً أفضل من بعض عناصر قوى الأمن الداخلي"، مشيراً إلى فتح تحقيق في حادثة وفاة الأشرف، مع وعود بمحاسبة أي جهة يثبت تقصيرها أو تورطها في الإهمال. لكن هذه التصريحات الرسمية لم تقنع عدداً من الناشطين الحقوقيين.
المحامي محمد صبلوح، مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونية، صرح لـ "العربي الجديد" بأن ما جرى "جريمة بحق الإنسانية"، محملاً المسؤولية الكاملة لكل من أهمل ملف السجناء. وأضاف: "خسرنا قرابة 30 سجيناً خلال العام الماضي بسبب الإهمال الطبي. تأملنا خيراً بعهد جديد، لكننا نخشى أن نكون أمام خطاب قسم بلا مضمون ولا التزام". وتابع: "انتحار سجين، وانتشار أنباء عن انتحار آخر في اليوم نفسه، يطرح تساؤلات جدية ويكشف عمق الأزمة داخل السجون. لا يكفي أن نكتفي بالرواية الأمنية، بل نطالب بتحقيق شفاف ومستقل".
من جهتها، اعتبرت الناشطة الحقوقية وعضو لجنة أهالي السجناء، رائدة الصلح، أن ما يجري في سجن رومية هو "مأساة متواصلة تتفاقم يوماً بعد يوم". وقالت لـ "العربي الجديد": "اليوم صدمنا خبر انتحار سجين بسبب حرمانه من الدواء، وسرعان ما انتشر خبر انتحار سجين ثانٍ أمضى ثلاثين سنة في السجن. وإن كان الخبر غير دقيق، فإنه يعكس حجم اليأس السائد خلف القضبان". وأضافت الصلح أن "الوضع الصحي المتدهور، خاصة في فصل الصيف مع تفشي الأمراض الجلدية، يدفع السجناء إلى حافة الانهيار"، مشيرة إلى أن "الأهالي ينتظرون أبناءهم ليعودوا إليهم أحياء، لا جثثاً هامدة في أكياس".
واختتمت بالقول: "المناشدة اليوم لكل صاحب ضمير، لإيجاد حلول سريعة تنقذ السجناء من الموت البطيء، سواء بالموت الجسدي أو النفسي، ووقف هذا الانحدار الذي لا يليق بدولة ولا بإنسان".
* صحيفة العربي الجديد